الأحد، 18 سبتمبر 2011

التنشئة السياسية ودورها فى تشكيل الـرأى العــــــام


الفصـــل الاول

أولا :ـ مقدمة عن مشكلة الدراسة وأهميتها وأهدافها
ثانيا :ـ مفاهيم الدراسة :
1)      التنشئة السياسية
2)    الرأي العام
****************************************
الفصــــل الأول
**مقدمـة عن مشكلة الدراسة وأهميتها وأهدافها
إن جميع المجتمعات الإنسانية تعتمد فى تماسكها وتطورها على ما يتوفر لديها من فهم مشترك للقيم والعادات والتقاليد التى تسود المجتمع والتى تطبع سلوك أعضاء المجتمع بطابع معين يميزه عن سلوك أعضاء المجتمعات الأخرى . وهى كذلك توحد بين مشاعر واتجاهات أعضاء المجتمع نحو تحقيق أهداف معينة . وقد لا يختلف ذلك كثيرا عما تتضمنه فكرة الثقافة . ولا يتأتى للإنسان ان يصل إلى هذا الفهم المشترك بمجرد ولادته ولكنه يصل إلية عن طريق عملية طويلة وممتدة منذ الولادة وحتى يحتل مكانه ويشغل دورا معينا فى نظام إجتماعى معين .فالعملية تقترب من الاكتساب اكثر منها أي شئ آخر أي تأتى بوساطة ما يسميه علماء الاجتماع بالتنشئة الاجتماعية ، وهى تعنى ان الأفراد يكتسبون من خلال عملية التنشئة هذه المعارف والمهارات والخبرات والقدرات التى تمكنهم من المشاركة كأعضاء فعالين فى مجتمعاتهم . وتعتبر مرحلة الطفولة هى الفترة الحاسمة فى حياة الإنسان حيث يبدأ الطفل فى اكتساب الخبرات من واقع الحياة الاجتماعية أو من الوسط الإجتماعى الذى يحيا فيه .  ولكن عملية التنشئة تتخذ فى الواقع مضمونا فرديا أو شخصيا اكثر منه عاما فالمضمون العام يظهر واضحا فيما نسميه بالتنشئة السياسية حيث يتم من خلال هذه العملية تحويل الدوافع الخاصة والشخصية إلى اهتمامات عامة .
وعملية التنشئة تهدف من الناحية الاجتماعية إلى تكييف الأفراد مع البناء المعياري للمجتمع فهى من هذه الناحية عملية تدريب للفرد على المشاركة الاجتماعية بكافة صورها ومن أهم هذه الصور التعبير عن رأى الفرد اتجاه القضايا المجتمعية التى تمس مصالحة ومصالح الجماعة التى ينتمى إليها ، ولذلك فإن عملية التنشئة الاجتماعية تقوم بدور تدريبى هام فى تشكيل سلوك الفرد وفقا لاهتمامات المجتمع . وعلى هذا فان وجهة النظر هذه تركز على مراكز معينة للتنشئة كالآسرة والمدرسة وجماعة النظراء والمصنع إلى آخر ما يمكن ان يندرج تحت مثل هذه الجماعات حيث يفترض التواجد فى مثل هذه الجماعات نوعا من الصراع والتغير ينتج عنه تشكيل رأى عام يعبر عن مصالح كل جماعة من جماعة المجتمع التى ينتمى إليها الفرد والتى تعبر عن مصالحة وعن مصالح هذه الجماعة .[1]
 مما سبق يضح أهمية التنشئة الاجتماعية اتجاه تشكيل اتجاهات الفرد نحو التعبير عن مصالحة ومصالح الجماعة التى ينتمى إليها بمعنى تشكيل رأيا عاما اتجاه القضايا العامة التى تمس مصالح الفرد والجماعى التى ينتمى إليها وبذلك يمكن تعريف الرأى العام وفقا لما ساقه إلينا " مختار التهامي " بأنه الرأى السائد بين أغلبية الشعب الواعية بالنسبة لموضوع معين أو اكثر يمس مصالح هذه الأغلبية مسا مباشرا أو يشغل بالها ويحتدم فيه الجدل والنقاش فى فترة معينه . ووفقا لهذا المفهوم فان الرأى العام هو عبارة عن أراء وأفكار وتوجيهات ناتجة عن وعى الشعب بالقضايا والموضوعات التى تمس مصالحهم مسا مباشرا وهذا الوعى لا يتم إلا عن طريق التنشئة السياسية للفرد والتى ترسخ عنة المفاهيم العامة التى من خلالها يمكن ان يحكم على طبيعة الأشياء . ووفقا لذلك تثار عدة تساؤلات وهى :ـ
1)     كيف يتشكل الرأى الوعى الإجتماعى والسياسى عند أفراد الشعب بالقضايا والموضوعات التى تمس مصالحه
2)     هل يمكن تكوين رأى عام يتسم بالوعى بدون تنشئة اجتماعية وسياسية سليمة لأفراد الشعب
3)   هل يعتبر تعبير أفراد الشعب عن آرائهم اتجاه القضايا المجتمعية والقومية التى تمس حياتهم ومصالحهم هى نوع من المشاركة السياسية الأفراد الشعب فى المشاركة فى تكوين السياسات والتوجهات العامة للدولة والحاكم
هذه الأسئلة تقوم على افتراض اساسى وهو ان طبيعة النظام الديموقراطى السائد يحدد الدور الذى يلعبة الرأى العام فان هذه الطبيعة تحدد أيضا مدى وجود تنظيمات سياسية شعبية تقوم بمثابة التعبير عن الرأى العام وتساندة وتغذى قراراته وتحافظ على مصلحته وتعمل جاهدة على تحقيقها وهذه التنظيمات السياسية الشعبية تكون بمثابة جماعة ضغط تعبر عن الرأى العام وتعطيه قوة الدفع الأزمة لتولى الشعب زمام الأمور فى المجتمع وهذه التنظيمات السياسية والشعبية تعد اكبر دليل فى حالة تواجدها فى أي مجتمع على وجود الديموقراطية حيث يزداد دور الرأى العام بالاستعانة بهذه التنظيمات للتعبير عن وجهات نظر والاتجاهات السياسية ومن أمثلة هذه التنظيمات السياسية الشعبية يذكر الفقهاء الأحزاب السياسية النقابات الجمعيات ...... ثم جماعات الضغط المعاونة .
وانطلاقا مما تم عرضة آنفا عن أهمية الدراسة ووفقا للتساؤلات المثارة سابقا والتى تحتاج إلى إجابات وافية فان هذه الدراسة تستهدف التعرف على ملامح العلاقة بين التنشئة السياسية والاجتماعية وتكوين الرأى العام وصولا إلى تفعيل المشاركة السياسية وذلك من خلال تناول مفهوم الرأى العام بالبحث والتحليل للتعرف على العوامل المؤثرة فى تشكيله والتى هى جزء من عملية التنشئة السياسية والاجتماعية والتى من أهدافها تكوين وعى قومى لدى أفراد المجتمع يدفعهم إلى مشاركة سياسية واجتماعية إيجابية اتجاه قضايا المجتمع .
وبناءا على ذلك فن هذه الدراسة تهدف إلى تحقيق الأهداف الفرعية التالية :
1) تحديد مفهوم الرأى العام والعوامل المؤثرة فى تكوينه تحديد مفهوم التنشئة الاجتماعية والسياسية  والعوامل المؤثرة فيها وأهدافها .

أولا :  مفاهيم الدراســة

                    1) التنشئة السياسية
ليس لمفهوم التنشئة السياسية تعريف واحد محدد ولكن تتعدد تعريفات بقدر تعدد ما تناولوه بالدراسة ويمكن التمييز بين اتجاهين فى هذا الصدد :ـ
1)   الاتجاه الأول : وهو الأكثر شيوعا فينظر إليها باعتبارها " عملية تعليم القيم والتوجهات السياسية بواسطة أدوات التنشئة فالأسرة والمدرسة ووسائل الإعلام وهى العملية التى يتم من خلالها نقل الثقافة السياسية للمجتمع من جيل إلى آخر وترتبط كمفهوم بمفاهيم أخرى مثل الشريعة والولاء والمواطنة وتهدف إلى تحقيق الاستقرار فى العلاقة بين الشعب والدولة " .
وعرفها المنوفى " بأنها اكتساب لثقافة سياسية معينة وهى عملية مستمرة يتعرض لها المرء طيلة حياته بدرجات متفاوتة وتطلع بها جمله من المؤسسات الاجتماعية والسياسية كالأسرة والمدرسة وجماعة الرفاق والحزب السياسى وأدوات الأعلام .
وعرفها راش " بأنها العملية التى يسير الأفراد بمقتضاها متوحدين مع النظام السياسى لدرجة تحدد مدى مداركهم السياسية وردود أفعالهم إزاء الظاهرة السياسية .
2)   الاتجاه الثاني : القائل بان التنشئة السياسية " عملية تطورية يتبنى من خلالها الأفراد تواجهات سياسية ما وأنماط للسلوك السياسى وهو ما يسمح من وجهة نظرهم للفرد بدرجة أعلى من الاختيار الإرادي لقيمة وتوجهاته فى مرحلة ما بعد الطفولة .
ويندرج تحت هذا الاتجاه تعريف " جرينشتين " أن التنشئة السياسية تعنى كل أنماط التعلم السياسى الرسمى وغير الرسمى المخطط وغير المخطط فى كل مراحل الحياة كما أنها لا تشمل فقط التعلم السياسى ولكنها تشمل أيضا التعلم غير السياسى الذى يؤثر على المستوى السياسى .
هذان هما الاتجاهان الرئيسيان فى تحديد مفهوم التنشئة السياسية فرغم ما بينهم من اختلاف إلا انهما يقدمان نظرة متكاملة للمفهوم يمكن من خلالها تحديد عناصر مفهوم التنشئة السياسية فيمايلى :
1)     التنشئة السياسية هي عملية تعلم لقيم واتجاهات سياسية ولقيم واتجاهات اجتماعية ذات دلالة سياسية
2)     التنشئة السياسية عملية مستمرة يتعرض لها الفرد فى مختلف مراحل حياته
3)     التنشئة السياسية شرط ضرورى لنشاط الفرد داخل المجتمع السياسى
4)   تلعب التنشئة السياسية ادوار رئيسية ثلاث : نقل الثقافة السياسية من جيل إلى جيل ، خلق الثقافة السياسية ، ثم تغيير الثقافة السياسية .[2]
ومن تعريفات التنشئة السياسية أيضا : تعريف العلمان " ألموند وبول " أن التنشئة السياسية هى اكتساب المواطن الاتجاهات والقيم السياسية التى يحملها معه حينما يجند فى مختلف الأدوار الاجتماعية .
ويعرف " ليفن " التنشئة السياسية بأنها اكتساب الفرد لاستعدادات سلوكية تتفق مع استمرارية قيام الجماعات والنظم السياسية بأداء الوظائف الضرورية للحفاظ على وجودها .[3]
                      2) الرأي العام
لقد تعدت تعريفات الرأي العام ومن هذه التعريفات مايلى :
1)   تعريف " جون ديوى " الراى العام ليس حاصل جمع أراء الأفراد ولكنه ذلك الذى ينتج عن الاهتمام المشترك لجمع كبير من الأفراد بالنسبة للمسائل المختلف عيها فهو يرى أن الراى العام ليس مجرد رأى الأغلبية بل يستلزم إعلام فعال ومناقشة منظمة من اجل الوصول لهذا الراى .
تعريف " جميس برايس " :ـ  ويعرف الراى العام بأنه اصطلاح يستخدم للتعبير عن مجموعة الآراء التي يدين بها الناس إزاء المسائل التي تؤثر فى مصالحه العامة والخاصة .  [4]
2)   تعريف " مختار التهامي " :ـ  يعرف الرأى العام بأنه " الرأي السائد بين أغلبية الشعب الواعية فى فترة معينة بالنسبة لقضية أو اكثر يحتدم فيها الجدال والنقاش وتمس مصالح هذه الأغلبية أو قيمها الإنسانية الأساسية مسا مباشرا . [5]
3)   تعريف " محمد عبد القادر حاتم ":ـ يرى أن الراى العام هو تعبير عن موقف من قضية متنازع عليها قابلة للجدل ومن ثم الراى العام هو ذلك الراى الذى ينتج عن المؤثرات وردود الأفعال المتبادلة بين أفراد أي  جماعة كبيرة من الناس . [6]
*******************************************************
الفصل الثاني

** المبحث الأول :ـ

أولا :ـ التنشئة السياسية وأنماطها
ثالثا :ـ مراحل التنشئة السياسية 
رابعا :ـ مؤسسات التنشئة السياسية

** المبحث الثانى :ـ
أولا :ـ كيفية تكوين الرأى العام
ثانيا :ـ وظائف الرأى العام
ثالثا :ـ العوامل المؤثرة فى الرأى العام
رابعا  :ـ مظاهر الرأى العام
خامسا :ـ الرأى العام أثره فى نظم الحكم

** المبحث الثالث :ـ 
           1ـ الخاتمة
الفصــــل الثانــي

المبـــحث الأول
          أولا : التنشئة السياسية وأنماطها [7]
لقد طور الباحثين فى مجال التنشئة السياسية أربعة نماذج توضح كيف يتم اكتساب القيم والاتجاهات السياسية وكل نموذج من تلك النماذج يتضمن فلسفة معينة فى النظر إلى الطريقة التى يتعلم بها المرء ويكتسب توجهاته السياسية وقد كان كلا من "هيس و تورني " أول من أشار إلى هذه النماذج ويمكن الإشارة إلى أهم هذه النماذج فيما يلى :ـ
1)   التبادل بين الأشخاص :ـ يفترض هذا النموذج أن الطفل يقترب من التنشئة السياسية بصورة واضحة من خلال مجموعة خبراته التى يكتسبها من خلال تعاملاته مع الآخرين وكنتيجة لهذه الخبرات كطفل عضو فى الأسرة وكتلميذ فى المدرسة يبدأ الطفل بعد ذلك فى تكوين علاقات مع ممثلي السلطة شبيه بعلاقاته قبل ذلك مع الأب والمدرس . وقد استخدم هذا النموذج فى تفسير كلا من نمو الاتجاهات الديموقراطية والسلطوية لدى الطفل وسبب نظرة الأطفال الأمريكيين إلى الرئيس الأمريكي على انه إنسان أريحي وهو هنا يعكس خبرته المباشرة مع الأسرة فهو يعتبر الرئيس بمثابة الأب فهو يعكس خبرته مع النماذج السلطوية غير السياسية على نماذج السلطة السياسية عندما يصبح قادرا على إدراك العالم السياسي من حوله .
2)   المحاكاة : يؤكد هذا النموذج على أهمية المحاكاة كنوع من أنواع التعلم الاجتماعي حيث أن الطفل يكتسب عددا من المهارات والقيم والاتجاهات من خلال تقليد سلوك الأشخاص المؤثرين فى حياته بداية بوالديه ومدرسيه فمعظم المهارات الأساسية وطرق التعامل مع الآخرين يتعلمها الطفل من خلال ما يسمع ويرى . وقد استخدم هذا النموذج فى تفسير لماذا يتشابه إلى حدا كبير تفضيلات الأبناء الحزبية والسياسية مع تفضيلات والديهم .
3)   النموذج المعرفي التراكمي  : يفترض هذا النموذج أن الطفل يكتسب المعرفة والاتجاهات وماهية الأدوار السياسية من خلال تراكم معلوماته وأنشطته والمعرفة التي يكتسبها وخاصة تلك التى تتم بصورة مباشرة سواء من خلال أبويه أو التعلم السياسى الرسمى من خلال المدرسة بواسطة كتب ومواد معينة مثل المواد الاجتماعية.
4)   نموذج النمو المعرفي : يقوم هذا النموذج على مقولة رئيسية تقضى أن الأطفال لا يمكن أن يدركوا أو يتعلموا مفاهيم سياسية معينة إلا إذا بلغوا مرحلة معينة من النمو فالطفل فى سن الثامنة مثلا لا يمكن ان يتعلم ما هى الدولة فالعالم السياسى يدرك من قبل الطفل بعد بلوغه مرحلة سنية معينه تؤهله لهذا الإدراك .  
****************************
                    ثانيا :ـ مراحل التنشئة السياسية  [8]
التنشئة السياسية عملية مستمرة يتعرض لها الفرد طيلة حياته فرغم الحديث عن مراحل معينة تمر بها على اساس تباين المضمون المقدم فى كل مرحله وكيفية إدراكه إلا إنها ولابد أن تكون متكاملة وليس هناك خلاف كبير بين الدارسين حول المراحل التى تمر بها عملية التنشئة فى مختلف المجتمعات فيكاد يتفق جمهور الباحثين على ان هذه العملية تبدأ من سن الثلاثة وتستمر طول الحياة ويتحدد السلوك السياسى فى مرحلة النضج بدرجة ما بخبرات التنشئة التي يكتسبها الفرد فى مرحلة الطفولة والمراهقة  . وعلى ذلك يمكن تناول المراحل الآتية 
1)    مرحلة الطفولة :ـ
تبدأ التنشئة السياسية فى كافة المجتمعات بمرحلة الطفولة وتكون التنشئة السياسية فى هذه المرحلة اكثر فاعلية ومضى أثرا وأكثرا دوما وهذا لان الطفل لم تتكون لديه بعد العقلية النقدية بالإضافة إلى محدودية خبراتهم الحياتية ويكتسب الأطفال دون شك نظم القيم والمعتقدات السائدة فى المجتمع والتى من شأنها ان يؤثر على سلوكهم السياسى فى مرحلة النضج حيث يبدأ تعرض الطفل للمفاهيم والقيم السياسية منذ مرحلة ما قبل المدرسة وذلك من خلال تعامله مع بعض رموز السلطة السياسية مثل الشرطي ومعرفته بالرموز القومية مثل العلم والنشيد وان كان فى هذه الفترة لا يستطيع ان يميز بين الدور وشاغله ومع تدرج سنوات الدراسة يبدأ الطفل فى إدراك وفهم بعض المصطلحات التى تغرسها فيه الأسرة والمدرسة ووسائل الاتصال . وقد أجريت عدة دراسات حول التنشئة السياسية لأطفال فى بعض الدول العربية أوضح بعضها أن الأطفال يحاذون بوجه عام على مستوى متوسط من الوعى السياسى وانهم اكثر معرفة بأسماء القيادات مقارنة بالمؤسسات وانهم يحملون مشاعر طيبة اتجاه رئيس الدولة ولديهم معرفة بمشاكل المجتمع المحلى لدرجة تعلوا مشاكل المجتمع القومى والعربي وقد غابت عن ثقافته قيم الديموقراطية .
2)    مرحلة المراهقة :ـ
تبدأ هذه المرحلة بزيادة النمو الجسدي والعقلي معا وتنتهي بزيادة احتمالات ممارسة الفرد الحقوق السياسية وأداء التزاماته اتجاه الوطن .  وقد خلص عدد من الدارسين إلى أن التنشئة السياسية للمرء خلال تلك المرحلة تتصل بما يلي :
                 ‌أ )   نمو القدرات الادراكية مثل القدرة على إدراك أسباب ونتائج المشكلات والقدرة على تبرير الاختيارات السياسية
                ‌ب )  نشوء الإحساس بالجماعية إذ ينتقل الفرد من دائرة الأنا الضيقة إلى الدائرة الاجتماعية الأوسع وإقناعه بان التصرف الجماعى سبيل لحل المشكلات السياسية
                ‌ج )  ميلاد الأطر الفكرية إذ تتحول المشاعر إلى أفكار إلا أنها تظل متقطعة وغير ثابتة ولا تتبلور فى صورة مبادئ عامة كما تتناقض مع بعضها البعض هذا فضلا عن سهولة رفضها
3)    مرحلة الشباب :ـ
وهى المرحلة التي يتحدد فيها موقف الفرد من النظام السياسى وما يمثله كما يبرز فيها استقلال الفرد عن الجماعات المرجعية الأولى وانخراطه فى جماعات أوسع تبنى على المصلحة اكثر من قيامها على العاطفة أو روابط الدم وصلة القرابة . ومن أهم ما يميز هذه المرحلة مايلى .
                 ‌أ )    نمو القدرات العقلية التى يبدأ الفرد فى توظيفها للحكم على الأشياء بصورة أكثر منطقية وتجريدا حيث تساعد هذه القدرات على زيادة وبلورة الإدراك لدى الفرد بصورة ملحوظة
               ‌ب )  زيادة الأدوار الاجتماعية والسياسية للفرد خاصة كانت أو عامه والمشاركة فى التنظيمات الاجتماعية والسياسية
                               ‌ج )    تبلور النظام العقائدي وبزوغ الإيديولوجية حيث ترسخ القيم والاتجاهات السياسية فى عقل الفرد .
تعبر إذن تلك المرحلة عن مشاعر القلق السياسى إذ يخضع كل شئ إلى التأمل وعادة التقييم للاتجاهات والقيم التى اكتسبها من قبل .
4)    مرحلة النضج :ـ
تتميز بأنه مرحلة استقرار للمواقف السياسية للفرد وانعكاسها على سلوكه السياسي ويمل خلالها الأفراد إلى الاعتدال وهو ما قد يفسر بازدياد حجم المسئولية الاجتماعية الملقاة على عاتق الفرد وما تقتضيه من تكريس الوقت والجهد كما يعود بعضها إلى تعليق المرء تمسكه بالقيم والاتجاهات التى اكتسبها فى المراحل السابقة ومقاومته الداخلية لاكتساب قيم جديده هذا فضلا عن تولى عدد ممن بلغوا هذه المرحلة بعض المناصب والمهام السياسية بما يدفعهم بالضرورة للاعتدال فى مواقفهم السياسية ما لم يكونوا فى المعارضة .
*********************************
             ثالثا :ـ مؤسسات التنشئة السياسية [9]
1)    الأسرة :
تمثل الأسرة الوحدة الاجتماعية الأولى يعايشها الفرد حيث تظل ولسنوات عديدة تمثل المصدر الرئيسى وربما الوحيد لعملية التنشئة السياسية . حيث أكدت دراسات عديدة محورية دور الأسرة فى عملية التنشئة السياسية وهو ما يظهر فى التشابه بين قيم واتجاهات الأسرة إزاء السياسية وتلك القيم والاتجاهات لدى الأبناء .
ومن الجدير بالذكر ان فاعلية الأسرة فى التنشئة السياسية تكون اكبر واكثر فاعلية فى السن الأصغر للأبناء ومع نموهم وازدياد خبراتهم وتفاعلهم مع البيئة المحيطة بهم تفسح المجال لتأثير أدوات أخرى للتنشئة .
2)    المؤسسات التعليمية :
تعد هذه أهمية هذه المؤسسات إلى أنها تمثل الخبرة الأولى والمباشرة للطفل خارج البناء الاجتماعي للأسرة وهى تلعب دورا هاما فى غرس القيم والاتجاهات السياسية لدى الأطفال والمراهقين يكاد يقترب من أهميته ومحوريته من دور الأسرة . والمدرسة تعد بناءا اجتماعيا له فكرة وفلسفته وأهدافه التى يسعى إلى تحقيقها من خلال التفاعل والوظائف والأدوار الاجتماعية لهذا البناء وتتميز المدرسة كمؤسسة اجتماعية عن سائر المؤسسات الاجتماعية الأخرى بعدة سمات وخصائص يمكن إيجازها فيما يلي :
              ‌أ )    أن المدرسة تمثل بيئة اجتماعية ووسطا ثقافيا له تقاليده وأهدافه وفلسفته وقوانينه التى وضعت بحيث تتماشى وتتفق مع ثقافة المجتمع الكبير التى هى جزء من تتفاعل فيه ومعه
            ‌ب )  تلتزم المدرسة بحد كبير بتقاليد المجتمع وقيمه وتراثه ويعتمد هذا على انتقاء القيم المرغوبة وتأصيلها ورفض القيم غير المرغوبة وعدم تأكيدها
             ‌ج )  انه تشغل الفرد المتعلم فترة زمنية طويلة سواء كان ذلك بالنسبة لليوم الدراسي أو بالنسبة لعمر المتعلم وتؤثر فيه وتعدل من سلوكه بالإضافة إلى اكتساب الخبرات العلمية والثقافية التى تتناسب مع حاجاته
3)    وسائل الإعلام :
 تمارس هذه الوسائل التلفزيون والإذاعة والصحف والسينما دورا هاما ومؤثرا فى عملية التنشئة السياسية تزود الفرد بالمعلومات عن كافة مناحي الحياة وتشارك فى تكوين وترسيخ قيمه واتجاهاته وتعود أهميتها فى نشر قيم والتوجهات السياسية إلى تعرض معظم ان لم يكن كل أفراد المجتمع لما تبثه من برامج فى جميع أنحاء الدولة .
4)    الأحزاب السياسية :ـ
تمثل الأحزاب السياسية إحدى التنظيمات الأساسية التى تمارس دورا هاما فى التنشئة السياسية للأعضاء وهذا من خلال تقديم كافة المعلومات عن الأوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية مما يمكن أعضاؤها من المشاركة فى دعم الحكومة اذا كان الحزب حاكما أو رقابتها اذا كان الحزب فى المعارضة كما انه فى الدول النامية يمتد دوره لتنظيم الخدمات الاجتماعية لاعضاؤه فهو يقدم لهم فرص العمل وإمكانات الزواج وحل الخلافات الدينية والمساهمة فى قضاء الدين ويضع برامج التدريب السياسى .
5)    المؤسسات العسكرية :
تعد المؤسسة العسكرية من أقوى واهم المؤسسات فى الدول النامية فالجيوش اكثر تنظيما وانفتاحا على العلم الحديث وهى تغرس فى نفوس أعضائها الضباط والجنود قيما هامة كالطاعة والاحترام والالتزام والوطنية كما انها تمثل قطاعا وطنيا وعصريا متقدما يمكن من خلاله غرس قيم الحداثة والعصرية فى نفوس اعضائه .
6)    المؤسسات الدينية :
تلعب المؤسسات الدينية ( الكنيسة ، المسجد ، الهيئات والمعاهد الدينة ) دررا هاما فى التنشئة السياسية فى جميع الدول على اختلاف أنظمتها فالمؤسسة الدينية الرسمية تدعو إلى ترسيخ القيم والاتجاهات السياسية التى يتبناها النظام السياسى بينما تسعى المؤسسات الدينية غير الرسمية إلى خلق قيم جديده تتناقض والقيم الرسمية بينما يشكل خطورة حقيقية على استمرار واستقرار النظام ولعل الثورة الإسلامية فى إيران مثلا على ذلك 
7)    الجمعيات التطوعية :
وتمارس هذه الجمعيات دورا هاما فى عملية التنشئة السياسية من حيث تفعل المجتمع المدنى بحفز المواطنين على المشاركة وغرس الشعور بالاقتدار لديهم كما ان بعضها يقوم ببرامج لتوعية المواطنين وتعديل اتجاهاتهم إزاء البيئة المحيطة وتشجيعهم على تبنى قيم حديثة والأمان بقيمة العلم كما تمارس هذه الجمعيات أيضا دورا هاما من خلال عمليات الممارسة السياسية داخلها لاسيما الانتخابات الدورية وعمليات صنع القرار والمشاركة فى التنفيذ بواسطة الأعضاء .

 
المبحـث الثانـى
        أولا :ـ كيفية تكوين الراى العام  [10]
أن الراى العام كظاهرة اجتماعية اتجاه قضية معينه يمر بمراحل متعددة فيرى " جيمس برايس " ان الراى العام يتكون عند انتقاله من مرحلة الراى السلبي إلى الراى العام الواعى النشط يمر بمراحل أربعة هي :
1)   تعبر المرحلة الأولى : عن الإشكال الكبيرة والبسيطة للمجتمعات السلبية حيث يكون الراى العام سلبيا فهو راض بالسلطة مها كانت أخطاؤها لأنه لا يعرف شئ افضل أو لأنه لا يرى طريقا للإصلاح ربما كذلك لأنه يشعر بوازع ديني يجعله يحترم السلطة مقرونا بالخوف منها .
2)  أما المرحلة الثانية فهى تتميز بالتصادم أو الصراع بين إدارة الحكم المستبد أو السلطة المطلقة وبين القوى التقدمية والمستبدة وفى هذه المرحلة يبدأ الراى العام فى التحقق من موته ويبدأ فى السؤال عن حقوقه وحقوق حاكميه وواجباته وواجبات حاكميه وينظم المعارضة والنقد من اجل التقدم والإصلاح وان مرحلة التصادم أو الصراع هذه تحسم إما بالمفاوضة أو العنف .
3)  أما المرحلة الثالثة فتختفي فيها عادة الخضوع والحيرة من الرعايا ويعترف الحكام بأنهم وكلاء للمواطنين لا اكثر وفى هذه المرحلة تحال المنازعات إلى القوى صاحبة السيادة وهى الشعب التى تعبر عن إرادتها فى فترات معينة على قطع من الورق توضع فى صناديق حيث تقرر لبيان التفويض الشعبى
4)  أما المرحلة الرابعة فهذه يمكن الوصول إليها إذا أمكن أن تتأكد إرادة أغلبية المواطنين فى جميع الأوقات اى انه يمكن الوصول لهذه المرحلة بدون الحاجة إلى ان تمر عن طريق مجلس للممثلين والنواب أو بدون الحاجة إلى التصويت ويمكن ان توصف هذه الحالة حكم بواسطة الراى العام .
وبالنسبة لتكوين الراى العام حول موضوعا ما أو قضية ما يمكن ان تتخذ الخطوات التالية :
1)     نشأة المشكلة أو الموضوع وقد يتم ذلك بطريقة فجائية أو تدريجية
2)     إدراك المشكلة والتي تمثل خطوة التعرف المبدئي على المشكلة وفهمها وتقدير ضرورة اتخاذ تصرف ما نحوها
3)   الاستطلاع بالمناقشة حيث تظهر التساؤلات حول مدى أهمية الموضوع وخطورته والقيام باستكشاف الحلول الممكنة من خلال جمع بعض الحقائق عن الموقف
4)   بزوغ المقترحات من خلال المناقشة وظهور اقتراحات بديله لحل المشكلة مع تبادل الآراء بين أفراد الجماعة ومناقشة هذه البدائل
5)   صراع الآراء نتيجة اختلاف وجهات النظر حول المقترحات كما تلعب الإشاعات دورا هاما فى هذا الصراع مع اتجاه كل جماعة إلى الدفاع عن رأيها
6)     تبلور الآراء على ضوء المعرفة والتفكير بحيث تتبلور الآراء معارضة أو مؤيدة أو محايدة
7)   تقارب الآراء نتيجة المزيد من المناقشات والمباحثات واستبعاد الآراء الضعيفة أو غير الواقعية أو غير الصالحة مع الاتجاه إلى الراى الوسط
8)   الاتفاق الجماعي حيث تصل الجماعة إلى الاتفاق على ان بديلا معينا يمثل حلا افضل للموقف و يكون هذا البديل عادة هو الراى الأكثر قوة واعتدالا وواقعية
9)     توزيع الراى حيث يتم الاتفاق على ترويج قبول الراى أو الحل البديل مما يؤدى إلى زيادة وعى الجماعة .
10)   السلوك الجماعي هو التعبير عن الراى العام بعد تما تكوينه عن طريق تنفيذ برنامج عمل الاستمرار فيه حتى الوصول إلى النتيجة المطلوبة   
*************************************
       ثانيا :ـ وظائف الرأى العام  [11]
ويحدد عبد القادر حاتم أهم وظائف الرأى العام فى الأتي :ـ
1)  سن القوانين وإلغاؤها : من الشروط الأساسية لنجاح القوانين ان يكون ممثلوا الرأى فى البرلمان ممثلين فعلا نتيجة لانتخاب حر حتى يكون تشريع القوانين وإلغاؤها نابعا عن رغبة الرأى العام الممثل فى نوابه امام المجالس الشعبية كما يشترط ان يمهد لهذه القوانين عن طريق أجهزة الأعلام والدعاية حتى يتبين الرأى العام ما هو صالح من القوانين التى تصدر من اجله وتطبق عليه .
2)   مساندة الرأى العام للهيئات الاجتماعية والسياسية والقادة والمفكرين : يقوم الراى العام بدور اساسى فى مساندة الأفكار الاجتماعية والسياسية وغيرها حيث ان تأييد الراى العام هو العنصر الأساسي لنجاح أية فكرة تدعوا إليها هيئة من الهيئات أو يدعوا إليها القادة والمفكرون
3)   رعاية الرأي العام للمثل الاجتماعية والخلقية : ان الراى العام له وظيفة هامة فى رعاية القيم الأخلاقية بما يملك من سيطرة حيث يؤدى دورا خطيرا وهاما ومستمرا فى صيانة المثل العليا للمجتمعات وإذا فقد الراى العام سيطرته الأخلاقية يحدث دائما التفكك والانهيار
4)   الراى العام ورفع الروح المعنوية : من أهم وظائف الراى العام رفع الروح المعنوية عند الجماهير التى تكونه لان سيطرة الراى العام على المجتمع تؤدى بالضرورة إلى البعد عن التفرقة بين أبناء الوطن الواحد لتزيل الفوارق بينهم وتحقق الوحدة بين مشاعرهم وكلما قوية سلطة الراى العام ازداد تامين مصالح الشعب وحقوقه وإذا ضعفت سلطة الراى العام تعرضت مصالح الشعب للإخطار  
************************************
          ثالثا :ـ العوامل المؤثرة فى الراى العام
v    يرى الدكتور : مختار التهامي :ـ أن من أهم مقومات الراى العام فى الدولة الحديثة هى :ـ [12]
1)    العادات والتقاليد والقيم المتوارثة :
تتقبل الشعوب عادة معتقداتها المتوارثة بخيرها وشرها على اساس أنها حقائق وبديهيات وقيم لا تقبل الجدال أو إبداء الراى وهذه المعتقدات قد تشمل نواحى أخلاقية واجتماعية كانت مثار جدل فى أزمنة سابقة ثم انتهت إلى الصورة التى تقبلها الجميع فدخلت طور المعتقدات والأخلاقيات والتقاليد المتوارثة .  ويجب إلا نخلط بين المعتقدات والقيم المتوارثة الجامدة وبين الراى العام فالرأي العام يدور حول مسائل موضع جدل ونقاش بعكس المعتقدات العامة التى رسخت عبر العصور فى أذهان الجماهير ولم تعد مثار نقاش عام اللهم إلا فى وقت الثورات والتغيرات الاجتماعية الجذرية .  ولكن مع أن القيم والعادات والمعتقدات المتوارثة لا تعتبر من قبيل الآراء العامة إلا أن لها تأثيرا كبيرا جدا وبالغ الخطورة على تكوين الراى العام ذلك أن الجمهور فى كثير من الحالات يستلهم هذه القيم والعادات فى تكوينه لرأيه حول بعض المسائل الحالية المطروحة للنقاش .
2)    التربية والتعليم :ـ
تؤثر الاتجاهات السائدة فى التعليم تأثيرا كبيرا على مستقبل الراى العام داخل الدولة خصوصا إذا قامت هذه الاتجاهات على اساس روح التفرقة العنصرية أو الدينية أو الطبقية وإزكاء روح التعصب ذلك أن النشء لا يستطيع فى المرحلة الأولى من حياته أن يعمل عقله للتمييز بين الحق والباطل والنتيجة المحتمة لذلك أن يكبر هذا النشء وتكبر معه بعض أنماط من السلوك وألوان من التعصب والتحيز التى تبلغ فى نفسة مبلغ العقيدة واليقين بطول ما تلقاه وتلقنها وقراها خلال سنين حياته المدرسية .  وإذا كان للتربية والتعليم وبخاصة التعليم فى مرحلتي الطفولة والبلوغ كل هذه الخطورة فى تشكيل العقول وبالتالى فى توجيه الراى العام لأجيال عديدة قادمة فان من الخطر كل الخطر على وحدة الأمة ومستقبلها أن تتعدد الجهات المشرفة على التعليم فى الدولة وتتعدد الأيديولوجيات الموجهة لها إذ أن معنى ذلك تعدد إعداد جيل متنافر فى التفكير والاتجاهات والأهداف تنافرا يشبه إلى حدا كبير ذلك الذى يقع بين الأحزاب ذات المصالح الطبقية المتباينة . لذلك كان واجب الدولة إبعاد كافة العناصر التعصبية والأجنبية عن ميدان التعليم ووضع سياسة بعيدة المدى للتعليم وإعداد المعلم وربط التعليم بالمجتمع والعمل على إعداد المواطن الصالح الواعى بمصالح المجتمع الحقيقية والمشبع بالمثل الإنسانية السليمة وبروح التضامن الاجتماعي .   
3)    الأوضاع السياسية السائدة فى المجتمع :ـ
تؤثر الأوضاع السياسية داخل القائمة داخل الدولة فى تكوين الراى العام بها فإذا كان نظام الدولة قائما على الدكتاتورية والاستبداد بالرأي والصلف والاستعلاء على الجماهير واحتقارها وإشاعة التعسف والإرهاب فأن هذا يؤدى حتما إلى سلبية الراى العام فى الدولة إذ يحل محله الخوف العام والسخط العام . فحرمان جماعات الشعب من مناقشة المشكلات والقضايا الأساسية والإسهام الايجابي فى الحكم يؤدى مع مرور الوقت إلى انعدام التعاطف والتضامن والثقة والفهم بين الحكومة والشعب وغزل كلا منهما عن الأخر . كما أن وجود الأحزاب السياسية المتناحرة التى تمثل مصالح متباينة من شأنه أيضا أن يضعف من قوة الراى العام فى الدولة ويؤدى إلى تفتيته وانقسامه بالنسبة للمسائل الحيوية الهامة وهو وضع لا تستفيد منه سوى القوى الاستعمارية الرجعية . اما اذا خلى النظام السياسى فى الدولة من هذه العيوب وقام على أساس قيم اجتماعية وسياسية واقتصادية مخططة وواضحة تؤمن بها جمهرة الشعب وترى فيها مصالحها الأساسية ومما لاشك فيه أن مثل هذا النظام يستطيع أن يضمن تربية سياسية واعيه لجماهير الشعب وان يضمن بالتالي رأيا عاما ايجابيا قويا .
4)    الأوضاع الاقتصادية داخل الدولة :ـ
يتعرض الراى العام داخل الدولة لانقسامات خطيرة وتزييفات كثيرة إذا  كان هناك تفاوت كبير فى توزيع الثروة داخل البلد فسوء توزيع الثروة يؤدى إلى انقسام الأمة الواحدة إلى أمتين على حد تعبير السياسى البريطانى الكبير " دزرائيلي " أو لسيادة رأى الفئة الأقوى اقتصاديا عن طريق الضغط والإكراه الذي تمارسه على أغلبية الشعب الفقيرة . كما يؤثر اختلال الأوضاع الاقتصادية داخل الدولة وتعرضها للازمات الاقتصادية من بطالة ومجاعة وتضخم وانخفاض فى القيمة الشرائية وندرة فى الإنتاج يؤثر هذا كله تأثيرا خطيرا فى اتجاهات الراى العام بها . فالجوع مرشد سيئ للشعوب والشعب الجائع لا يمكن أبدا أن يستخدم العقل وان يقتنع بالمنطق وهو لذلك يكون لقمة سائغة فى أيدي محترفي السياسة الذين يستطعون أن ينحرفوا انحرافا خطيرا بمثله ومبادئه الإنسانية بل وبمصالحهم الحقيقية .
5)    الثورات والتجارب والأحداث الهامة :ـ 
تؤثر التجارب التى تخوضها الشعوب وبخاصة التجارب التى ما زالت حيه فى أذهان الأجيال المعاصرة تأثيرا كبيرا فى توجيه الراى العام للشعب كما تستفيد بعض الشعوب من تجارب البعض والواقع أن الظاهرة الأساسية للثورة هي تكتل الراى العام فى البلد الثائر للتحقيق الأهداف التي طالما سعى إليها الشعب وأمنى بها وهى عادة أهداف ذات جذور اجتماعية وتاريخية واقتصادية عميقة فالثورات إذن هي مرحلة تطور من سلبية التفكير إلى ايجابية التنفيذ المسند على العمل الثوري والتأييد الجماعي الايجابي وتجربة الثورة لا تقتصر أثرها على البلد أو الشعب الذى قام بهذه الثورة وإنما تمتد دائما إلى البلاد الأخرى فلدينا أمثلة واضحة لذلك هى الثورة الفرنسية والثورة الأمريكية وفى الثورة البلشفية وفى ثورة 23 يوليو فى بلادنا . 
6)    الأوضاع الدولية القائمة :ـ
تنعكس أثار الأوضاع الدولية القائمة خيرها وشرها على الراى العام الداخلى فى كل بلد من بلاد العالم ذلك اننا نعيش اليوم فى علم واحد فإذا حدثت أزمة اقتصادية كما حدث فى الأزمة الاقتصادية العالمية فى أوائل الثلاثينيات من هذا القرن فان أثرها سرعان ما تسرى سريان النار فى الهشيم كى تعم العالم كله وإذا انفجرت قنبلة ذرية أو نووية سارت أشاعتها مع السحاب والتيارات الهوائية إلى بلاد العالم قاطبة بل أن الكوارث الطبيعية نفسها كالزلازل والفيضانات والأعاصير غالبا ما تمتد فتشمل أكثر من دولة واكثر من شعب . ومما لاشك فيه أن حالة التوتر الدولى التى تسود العالم منذ انتهاء الحرب الباردة لاشك أن هذه الحالة المتوترة تترك آثارها السيئة على اتجاهات الراى العام وأجهزة الإعلام مسئولة مسئولية كبرى عن إزكاء هذه الحالة وتشاركها فى هذه المسئولية أجهزة المخابرات فى الدول الكبرى ومن جهة أخرى تترك المؤتمرات الداعية للسلام والتعايش السلمى والاتفاقات الدولية التى تدعم التعاون الدولى على اتجاهات الراى العام . وخلاصة القول أن لأوضاع الدولية آثارها الواضحة على الحياة الثقافية والسياسية داخل الدولة الحديثة ومن ثم على توجيه الراى العام فيها . 

v    يرى الدكتور سعيد اليمانى العوضى :ـ ان أهم العوامل المؤثرة فى تكوين الراى العام ما يلى :ـ  [13]
1)    الأسرة وتأثيرها على الراى العام :
الأسرة هي الخلية الأولى فى المجتمع وهى الجماعة الأولية التي ينتمي إليها الفرد وبالرغم عن تخلى الأسرة عن بعض وظائفها نتيجة لتعقد الحياة وظهور المؤسسات المختصة إلا أن دورها فى عملية التنشئة الاجتماعية ما زال جوهريا وأساسيا ولقد أكد كثير من الباحثين على أهمية الدور الذي يمكن أن تلعبه الأسرة فى تشكيل الاتجاهات والآراء فقد ذهب احدهم بقول أننا يمكن أن نستخلص حقيقتين واضحتين من بين البحوث العلمية الكثيرة التي أجريت فى هذا المجال وإحدى هذه الحقائق تشير إلى أن البناء الأساسي للشخصية الإنسانية يتكون من الطفولة المبكرة أما الحقيقة الثانية فتشير إلى أن الأسرة هي التي تشكل هذه الشخصية بصورة رئيسية كما أشارت بعض الدراسات إلى الدور الذي تقوم به الأسرة فى التأثير على اختيار الأطفال لمهن معينة أو تعليم معين والى تأثير الأسرة على عادات الأطفال واتجاهاتهم ودوافعهم عن طريق التنشئة الاجتماعية .
2)    القادة والسياسيون :
وهؤلاء الزعماء والمصلحون فى العادة قسمان قسم يساير اتجاهات الأمة وقسم يحاول ان يفرض عليها تحديدا لم تعرفه من قبل وكل من هذين النوعين من القادة يؤثر في الرأي العام تأثيرا لا سبيل إلى إنكاره وان كان النوع الأول من القادة أسرع نجاحا وأقوى تأثيرا من النوع الأخر ذلك أن قوة الفرد دائما تأتى من قوة الجماعة وإرادة الفرد إنما تقوى بإرادة الجماعة وهذا هو السبب الذى من اجله ينجح الزعماء السياسيون بأسرع مما ينج المصلحون الاجتماعيون .
3)    الدين :ـ
إن الدين عامل قوى فى تكوين شخصيات الأفراد والجماعات على السواء فلولا قوة العقيدة الإسلامية لما استطاعت قلة من العرب فى الجاهلية ان تحدد وترقى وتتغلب على حضارات وإمبراطوريات الروم والفرس ولا يسع خبير العلاقات العامة إلا أن يؤمن بتأثير رجال الدين فى تكوين الراى العام للأفراد والجماعات ، فعلى سبيل المثال قضية تنظيم الأسرة فى مصر لم تكن للجماهير رأى عام محدد اتجاهها نتيجة لعدم وجود رأى ديني واضح اتجاهها
4)    الطبقة الاجتماعية :ـ
للطبقة الاجتماعية تأثيرها المباشر فى تكوين الاتجاهات والآراء فأبناء الطبقة الوسطي لهم تقديراتهم للأمور التي اختلفت كثيرا عن تقديرات أبناء الطبقتين الأرستقراطية والدنيا والطبقة الاجتماعية تركز على عوامل مختلفة أهمها الأسرة والتربية والمحيط الاجتماعي والأصدقاء والثقافة وهذه العوامل جميعا هى التى تقرر اتجاهات أفراد الطبقة وميولهم وأرائهم .

المبحث الثالث
الخاتمـة
أن حدوث تحسن فى نوعية حياة المصريين الاجتماعية والسياسية  يعتمد على إحداث تغييرات هيكلية وثقافية لتقوية ثقافة المشاركة والديموقراطية واللامركزية فى المؤسسات القائمة وإعطاء دورا اكبر لمؤسسات المجتمع المدن من أحزاب وجمعيات فى إعداد أفراد المجتمع فى التعبير عن أرائهم بحرية تامة وبصفة عامة يرجع ضعف الإنجاز فى مجالات التنشئة الاجتماعية و تكوين رأى عام واعي  لمجموعتين هما :
q    المجموعة الأولى : هى العوامل التاريخية التى رسخت وضعا بيروقراطيا هرميا غير مستجيب وبالرغم من وجود العديد من برامج التغيير المؤسسى يتم تنفيذها بواسطة الحكومة لزيادة اللامركزية ولجعل البيروقراطية والحكومة اكثر مرونة وبدأ الحكومة فى تنفيذ نظام التخطيط بالمشاركة وإفساح مجال اكبر لقوى السياسية فى التعبير عن أرائها إلا أن هذا كله لا يمثل تقدما نحو مزيدا من الحرية فى التعبير وفى إنشاء مؤسسات المجتمع المدنى التى تقدم الخدمات  للشعب وتعبر عن أراء ومصالح جماعات الشعب المختلفة والتى تنوب عن الشعب  فى المشاركة فى التأثير فى عمليات صنع القرارات المؤثرة فى حياتهم من اجل تحسين أوضاعهم لأنه لا يمكن إحداث هذا والحكومة مازالت تعمل ووفقا لقوانين ودستور مازال يتخذ من التسلطية السياسية إطارا وسيطرة الحزب الواحد أسلوبا ممثلا فى الحزب الوطنى والاقتصاد الموجه والتخطيط المركزى والمسئولية الجماعية قاعدة للإنتاج والتوزيع للثورة فى البلاد . وعلى ذلك فإن الأمر يتطلب إصلاح شامل فى هياكل الدولة ومؤسساتها وقوانينها وليس الاكتفاء بالتغيير الشكلي الذى يسمح بمزيد من الحريات المقيدة بالوصاية الأبوية من جانب الحكومة .
q    المجموعة الثانية : عوامل ثقافية تؤدى إلى عدم الاستجابة لتغيير الأوضاع وبالرغم من وجود العديد من البرامج يتم تنفيذها بواسطة الحكومة لتعميق مفاهيم المشاركة بين موظفي الحكومة والمواطنين المحليين فإن ذلك لا يمثل أي تقدم حقيقى لأن ثقافة المشاركة لابد وان تبدأ من خلال التنشئة السياسية والاجتماعية من خلال جميع المؤسسات الحكومية من مدارس و نوادى وأحزاب  وغير ذلك وذلك بالتلازم مع إحداث تغيير شامل فى المناهج والقوانين المركزية التى تدعوا إلى التبعية للسلطة وأفكارها الأيديولوجية وليست إلى التبعية القومية والوطنية النابعة من الشعب ذاته بثقافاته المختلفة والتى توارثها من  تراث حضاري كبير على مر العصور والأزمان .
وختاما فانه اذا أردنا إحداث التغيير الذى يساعد على إيجاد قدر من الحرية والمشاركة كن جانب الشعب بكافة فئاته فلابد من التخلص من الأيديولوجيات العقيمة والمستوردة سواء الشمولية أو سياسة الانفتاح واقتصاديات السوق والاتجاه إلى إحداث تغيير من خلال الشعب ذاته ومن خلال ثقافاته وذلك بتدعيم الإيجابيات الموجودة فيه والبناء عليها ومعالجة القصور وتحويلها إلى إيجابيات تخدم الشعب وذلك من خلال إعطاء قدر اكبر للشعب فى اتخاذ القرارات التى تحص حياته ومستقبل الأجيال القادمة


[1]-إسماعيل على سعد ( مقدمة فى علم الاجتماع السياسى ) الإسكندرية ، دار المعرفية الجامعية ، 1987م ، ص 331 ، 332

[2] - إيمان نور الدين أمين محمود الشامي ( دور التلفزيون فى التنشئة السياسية للطفل المصري ) رسالة كتوراة غير منشورة ، كلية الاقتصاد والعلوم الاقتصادية ، 1996م ، ص6 ،7 
[3] - عبدالهادى الجوهري ( أصول علم الاجتماع ) مكتبة نهضة الشرق ، القاهرة ، 1997م ، ص 329

[4] - سعيد اليماني العوضى ( العلاقات العامة ، مفاهيم نظرية .....مجالات تطبيقية  )  المعهد العالى للخدمة الاجتماعية بالقاهرة ،2000م ، ص336:332
[5] - محمد عبد القادر حاتم ( الراى العام ، كيف يقاس ، كيف يساس ) مكتبة الانجلو المصرية ، القاهرة ، الطبعة الأولى ، 1982م ،ص:49
[6] - مختار التهامي (الراى العام والحرب النفسية ) الجزء الأول ، الطبعة الثالثة ، القاهرة ، دار المعارف ، 1974م ، ص17

[7] إيمان نور الدين أمين محمود الشامي ( دور التلفزيون فى التنشئة السياسية للطفل المصري ) رسالة دكتوراة غير منشورة ، كلية الاقتصاد والعلوم الاقتصادية ، 1996م ، ص7 ،8 
[8]- كمال المنوفى ( أصول النظم السياسية المقارنة ) الكويت ، شركة الربيعان للنشر والتوزيع ، 1987م ص 325:332

[9]- إيمان نور الدين أمين محمود الشامي ( دور التلفزيون فى التنشئة السياسية للطفل المصري ) مرجع سابق ص 29:20

[10]- سعيد اليماني العوضي ( العلاقات العامة ، مفاهيم نظرية .....مجالات تطبيقية  )  مرجع سابق ، ص336:332
[11]- محمد عبد القادر حاتم ( الراى العام ، كيف يقاس ، كيف يساس ) مرجع سابق  ،52:49

[12]- مختار التهامي (الراى العام والحرب النفسية ) مرجع سابق  ، ص46:27
[13]- سعيد اليماني العوضى ( العلاقات العامة ، مفاهيم نظرية .....مجالات تطبيقية  )  مرجع سابق ، ص

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق