السبت، 26 نوفمبر 2011

الفقـــــر والتنميــــــــة والبيئـــــــــة ( عـلاقة التأثيرات المتبادلة )


الفصــــــــــــــــــــل الأول
**مقدمة عن مشكلة الدراسة
** ظهرت فى السنوات الأخيرة رؤية جديدة للتنمية ذات عمق إنساني . وهذه الرؤية تضع حاجات الناس وتطلعاتهم فى مركز عملية التنمية . والتنمية البشرية ليست مجرد إضفاء وجه إنساني على الاستراتيجيات السابقة للتنمية ولا مجرد دعوة إلى نوع من إعادة توزيع الدخول والثروات ، فهى تستوعب كل اختيارات الناس والفرص التى يتطلعون إليها . من هذا المنطلق ستكون استراتيجيات التنمية مختلفة تماما إذا ما اصبح شغلها الشاغل هو الناس قبل الإنتاج والتجارة وأسعار الصرف وأسعار الفائدة وأسواق الأوراق المالية . ويكمن هذا الاهتمام باختيارات الناس وبالحياة الأفضل التى يمكن إن يحياها كل منهم وراء الوعى المتزيد بما يكابده الناس من فقر وحرمان .
ولقد توج الاهتمام العالمي بقضية الفقر خلال التسعينات بإعلان 1996 عاما للقضاء على الفقر ويمثل ذلك دعما للحملة الدولية ضد ما توضحه الحقائق المزعجة من انتشار الفقر فى العالم بصفة عامه وفى الدول النامية بصفة خاصة. فقد مثل الفقر محورا رئيسيا لمؤتمرين دوليين هامين عقدا خلال السنوات المنصرمة من التسعينات وهما " مؤتمر القاهرة الدولى للسكان والتنمية ـ سبتمبر1994 " وقمة كوبنهاجن العالمية للتنمية الاجتماعية ـ مارس 1995" فهذه القمة ألزمت الحكومات نفسها بهدف القضاء على الفقر " كمطلب أخلاقي وإجتماعى وسياسى وإقتصادى للبشر " وتأسيسا على ذلك تعهد البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة بان يكون التنفيذ الفعال لإعلان كوبنهاجن هو هدفه الرئيسي خلال السنوات التالية[1] .
وتعتبر ظاهرة الفقر واحدة من أهم المعضلات التى واجهتها المجتمعات والحكومات والنظريات الاجتماعية منذ اقدم العصور وفى القديم ارتبطت ظاهرة الفقر بفقدان الموارد أو بالحروب التى تؤدى إلى الاستعباد والقهر ولذا فان الأديان السماوية جميعها قد أولت ظاهرة الفقر اهتماما خاصا وبالذات من حيث ارتباطها بتسلط الأغنياء وسعيهم الدائم للهيمنة [2].  أما الآن فإن التطورات العالمية تقتص عملياً من قدرات الدولة الوطنية نتيجة لظاهرة الكوكبة التى تمثلت فى ظهور فعاليات بالغة القوة تتعدى الحدود الوطنية ، وتحتل مكاناً رئيسياً فى اقتصاد وثقافة وقيم وعقائد شعوب العالم كله .وهذه التطورات غير السارة فضلا عن عولمة الاقتصاد ووسائل الإعلام مع تزايد تطلعات الجماعات المهمشة فى العالم كله إلى المشاركة فى تشكيل حاضرها ومستقبلها أدت جميعها إلى خلق وعى دولى متزايد بخطورة مشكلة الفقر كما أدت إلى دفع قضية التقليل من الفقر والتخلص منه فى النهاية إلى قمة جدول أعمال المجتمع الدولى . ومن ثم حدثت طفرة فى الحملة الدولية لمكافحة الفقر منذ بداية التسعينات وقد انطلقت هذه الحملة بفعل تقريرين دوليين هما تقرير البنك الدولى عن التنمية فى العالم 1990 وتقرير التنمية البشرية 1990 الصادر عن البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة وقد انعكس هذا الوعي فى أعمال مؤتمرين دوليين هامين عقدا خلال التسعينات أولهما مؤتمر القاهرة الدولى للسكان والتنمية ـ سبتمبر1994 وثانيهما وقمة كوبنهاجن العالمية للتنمية الاجتماعية ـ مارس 1995 .[3]
مما أدى إلى تزايد الاستقطاب فى العالم خلال العقود الثلاثة الماضية واتسعت الفجوة بين الفقراء والأغنياء فالدول الصناعية وحده استأثرت في عام 1993 بـ 18 تليون $ من الناتج المحلى الإجمالي العالمي الذي بلغ 23 تليون $ فى حين أن الدول النامية التى بلغ سكانها ما يقرب من 80% من سكان العالم لم يتجاوز نصيبها 5 تليون $ . وفى نفس السنة شهد العالم أفقر 20% من سكان العالم تدهور نصيبهم فى الدخل العالمي من 3.2 % إلى 4.1% أما أغنى 20% من سكان العالم فقد زاد نصيبهم فى الدخل من 70% الى85% وقد أدى ذلك إلى مضاعفة النسبة بين نصيب الشريحة الأغنى ونصيب الشريحة الأفقر من 1:30 إلى 1:61 ومن الحقائق المفجعة أيضا أن الأصول التى يمتلكها مليارديرات العالم وعددهم 358 تزيد عن مجموع الدخل السنوي لدول بها 45% من سكان العالم .
    يضاف إلى ذلك انه خلال نفس الفترة زاد عدد السكان الدين كان متوسط دخلهم الفردي ينمو سنويا بنسبة 55 على الأقل إلى اكثر من الضعف (من 12%  إلى 27%) بينما زاد عدد هؤلاء الذين حقق متوسط دخلهم الفردى نموا سلبيا إلى اكثر من ثلاثة أمثال (من 5%  إلى 18%) كذلك تزايدت الفجوة بين متوسط الدخل الفردي فى الدول الصناعية ومثيله فى الدول النامية إلى اكثر من ثلاثة أمثاله فقد زادت هذه الفجوة من 5700$ عام 1960م إلى 15400$ عام 1993م .
 ويعيش ما يقرب من ثلث سكان الدول النامية ( 3و1 بليون نسمة ) فى حالة فقر من بينهم ما يقرب من 800مليون نسمة لا يحصلون على قدر كافى من الطعام بينما يعانى ما يقرب من 500 مليون نسمة من سوء تغذية مزمن ويموت نحو 700 مليون نسمة سنويا من أمراض معدية ومزمنة قابلة للشفاء مثل الإسهال والدرن الرئوي والملاريا ولا يقتصر الفقر ومسبباته وآثاره على الدول النامية فقط بل تمتد هذه الظاهرة وان اختلفت حدتها ومظاهرها إلى الدول الصناعية أيضا فلا يتعدى نصيب أفقر 40% من الأسر فى هذه الدول 18% من الدخل الكلى كما يعيش اكثر من 100 مليون نسمة من سكانها تحت خط الفقر المستخدم فى المقارنات الدولية وخمسة ملايين من سكان هذه الدول بلا مأوى .
ويقدر وفقا للمعايير الدولية إن الفقر منخفض نسبيا فى الدول العربية الواقعة فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فمعدل الفقر فى هذه الدول ثلث مستواه فى أمريكا اللاتينية ذات الدخول المماثلة للدخول فى الدول العربية المذكورة ومع ذلك شهدت الثمانينات زيادة حالات الفقر فى هذه الدول العربية وربما يرجع ذلك بصفة أساسية إلى سياسات التثبيت والتكيف وما صاحبها من تراجع معدلات النمو الاقتصادي وتزايد المديونية الخارجية [4] .    مما انعكس على إمكانيات هذه الدول فى تقديم الخدمات المباشرة وغير المباشرة إلى مواطنيها وقد تجلى ذلك مليا فى تقرير التنمية الإنسانية الصادر عن المجموعة العربية عام 2002م والذى يكشف  جوانب التقدم البين في إرساء قواعد متينة في قطاعات الصحة والسكن والتعليم. ويشهد على ذلك ما أنجزته البلدان العربية في مضماري الحد من الوفيات والتوسع الكمي الضخم في التعليم. فقد ارتفع مثلا، معدل توقع الحياة عند الميلاد بنحو 15 عاماً خلال العقود الثلاثة الأخيرة، وانخفض معدل وفيات الأطفال بنحو الثلثين. لكن ما يضيء  طريق الاستبشار أن النمو في المنطقة قد نزع إلى محاباة  الفقراء، حيث أن مستويات الفقر المدقع في المنطقة العربية (المعرف بدخل يقل عن دولار واحد في اليوم) الأقل بين جميع مجموعات الدول النامية.
إلا أن إمارات النذر واضحة. فقد كان معدل نمو الدخل للفرد العربي الأقل في العالم ماعدا أفريقيا جنوب الصحراء، حيث لم يتجاوز نصف بالمائة سنويا خلال العقدين الماضيين. وإذا استمر نهج النمو على حاله من التدني فسيحتاج المواطن العربي إلى 140 عاما ليضاعف دخله، بينما يستطيع المواطن في مناطق أخرى من العالم من مضاعفة دخله مرة كل 10 سنوات. وما قد يوطد هذا الميل علائم نذير أخر. فإنتاجية العامل العربي ما زالت متدنية وتتجه نحو الانخفاض ومن أهم المؤشرات على ذلك :
** انخفضت إنتاجية عناصر الإنتاج بمعدل سنوي يعادل 0.2% خلال الفترة 1960- 1990 في الوقت الذي تسارعت فيه في مناطق أخرى في العالم، والفجوة آخذة في الاتساع.
** تضاءل الناتج المحلي للفرد إلى نصف مثيله في كوريا، بينما كان أعلى من معدل الناتج للفرد في منطقة النمور الآسيوية في عام 1960.
** انخفضت إنتاجية العامل الصناعي العربي من 32% من إنتاجية مثيله في أمريكا الشمالية عام 1960إلى 19% منها عام 1990 ولا زالت تتدنى . وقد صاحب الانخفاض في إنتاجية العامل تدهور في الأجور الحقيقية، الذي فاقم بدوره من الفقر. وهكذا يميط استخدام المعايير الكمية والنوعية أن البلدان العربية لم تنم بالسرعة التي نمت فيها المناطق النامية الأخرى. فحين ننظر بعيون  التنمية الإنسانية، ستبدو لنا مشاهد التنمية الإنسانية في البلدان العربية وقد اكتنفتها عوامل إضعاف تحتاج إلى إملاء النظر وإجراء العمل.    
** تقع 15 دولة عربية تحت خط الفقر في مصادر المياه، أقل من 1000متر مكعب للشخص في السن، ونجد أن تلوث اليابسة يحدث انحساراً في الشواطئ البحرية مما يكلف الدول بين بليون وبليوني دولار سنوياً جراء الخسارة في مجال السياحة. وقد انخفضت نسبة الأرض الزراعية للفرد في الدول العربية من 4,0 هكتـار عام 1970 إلى 24,0 هكتار عام 1998.  وقد أسهمت الصراعات والحروب في الإضرار بالبيئة. فلا غرو من الحاجة  الملحة لوضع استراتيجيات لحماية البيئة، لوضع حد للتدهور البيئي من خلال تشجيع عمليات الإنتاج والممارسات العامة المحابية للبيئة.
** يبلغ الناتج المحلي الإجمالي لكل البلدان العربية ما مقداره 2,531 بليون دولار أمريكي أي أقل من دخل دولة أوروبية واحدة كإسبانيا والبالغ ناتجها المحلي الإجمالي 5,595 بليون دولار أمريكي. لقد أدت برامج التثبيت الاقتصادي في التسعينيات إلى تخفيض التضخم وتقليص عجز الموازنة في العديد من البلدان العربية، كما قامت الحكومات العربية بإنشاء بنى أساسية داعمة للنمو. لكن معدلات النمو ما زالت راكدة وما زال النمو عرضة للتقلبات في أسعار النفط. فقد انخفض الدخل الحقيقي للمواطن العربي مقاسا بمعدل القوة الشرائية إلى 9,13% فقط من الدخل للمواطن في منطقة منظمة التعاون والتنمية في أواخر التسعينات.
    لقد كانت إنجازات الدول العربية وفق مقاييس التنمية البشرية، خلال العقد الأخير، أقل من المتوسط العالمي. غير أن إنجازات الدول العربية على صعيد مؤشرات الدخل كانت أفضل منها على صعيد مؤشرات التنمية الأخرى. وبهذا يمكننا القول بأن المنطقة العربية هي أغنى مما هي نامية.
ووفقا لما سبق فان العديد من الباحثين يؤكدون على انه بالرغم من التطور الاقتصادى والإجتماعى الهائل الذى حدث فى معظم بقاع العالم وفى الدول العربية وعلى الرغم من التحسن الكبير الذى طرأ على حياة الملايين من الناس فى معظم الدول فإن الفقر لا يزال يمثل مشكلة إنسانية من الحجم العظيم وقد فاقم من حجم هذه المشكلة حقيقة إن اكثر المتأثرين بها هم سكان مناطق محدودة وفئات معينة من البشر وظاهرة الفقر على الرغم من وجودها بدرجات متفاوتة فى كل العالم ألا أنها تبرز كظاهرة فى وسط آسيا وأفريقيا وبالذات فى الأقطار الواقعة جنوب الصحراء .
من كل ما سبق نستطيع القول أن مشكلة الفقر أدت إلى ظهور وعى لدى الحكومات حيث انه لا يمكن إحداث تقدم فى أحد المجالات أو إحداث تنمية فى ظل وجود معدلات الفقر العالية لان ذلك يؤثر على الإمكانيات البشرية والمادية للدولة .
** وانطلاقا مما تم عرضة آنفا فان هذه الدراسة تستهدف التعرف على ملامح العلاقة بين الفقر والبيئة والتنمية فى ضوء مفهوم التنمية ( التنمية المتواصلة_ والتنمية البشرية ) وخاصتا فى ظل مفهوم التنمية البشرية الذى يدعوا التنمية التى تهدف إلى  توسيع اختيارات الناس على إن تكون هذه الاختيارات بلا حدود وان تتغير عبر الزمن.   وفى حدود هذا المفهوم فانه أيا كان مستوى التنمية فان الناس يتطلعون دائما إلى امتداد أعمارهم وهم بصحة جيدة وتحصيل المعارف والعلوم وان تفتح لهم أبواب الحصول على الموارد التى تهيئ لهم حياه كريمة فإذا تعذر ترجمة هذه الاختيارات الثلاثة إلى واقع الحياة تضاءل أن لم تنعدم فرصة تلبية معظم الاختيارات الأخرى . وبذلك قد اصبح هدف التنمية الأول هو الإنسان نفسه عن طريق بناء قدراته بتحسين مستويات الصحة والمعرفة والمهارات ووفقا لذلك فقد اصبح القضاء على الفقر أحد أبعاد التنمية وأحد الخيارات الهامة للإنسان والتى توفر له حياه كريمة وتجعل من فرص تحقيق الخيارات الأخرى كبير ومتاحة وهذا ما يقتضى التعرف على الواقع البيئى والإجتماعى الذى يعيش فيه الإنسان  بكل ما به من مشكلات سواء كانت خاصة بالتلوث أو غير ذلك من مشكلات التى يتثنى تحقيق حياه كريمة للفرد وذلك من خلال تناول مفهوم الفقر والبيئة بالبحث والتحليل للتعرف على طبيعة العلاقة بين الفقر والبيئة والتنمية وذلك بهدف الوصول إلى تحديد ملامح تلك العلاقة . وبناء على ذلك فإن هذه الدراسة تهدف إلى تحقيق الأهداف الفرعية الآتية :ـ
1)     تحديد مفهوم الفقر والبيئة والتنمية
2)     محاولة التعرف على التأثير المتبادل بين الفقر والبيئة من ناحية والتنمية والبيئة من ناحية أخرى
**********************************
أولا :ـ  مفاهيم الدراســـــــــــــة
** مفاهيم البيئة  
  (1)البيئــــــــة :ـ
يعد مفهوم البيئة من المفاهيم الشائعة الاستخدام مثل لفظ الماء والهواء ، ويرتبط مدلولها بنمط العلاقة بينها وبين من  يستخدمها ، فعلى سبيل المثال البيت بيئة ، والمدرسة بيئة ، والحى والمدينة بيئة ، والكرة الأرضية بما تحوى من أنظمة بيئية ، والكون بما يحويه بيئة ، بالإضافة إلى ذلك يمكن تحديد مفهوم البيئة من خلال النشاطات البشرية المختلفة ، فيقال : البيئة الصناعية ، والبيئة الزراعية ، والبيئة الحضرية ، والبيئة الريفية ، والبيئة الثقافية ، والبيئة الصحية ، والبيئة الاجتماعية ، والبيئة النفسية ، والبيئة السياسية .......الخ .
ومن ثم فان وضع تعريف شامل للبيئة يشتمل على استخداماتها المختلفة ، ليس بالأمر السهل لان ذلك يتطلب الإلمام بإطار كل هذه المجالات .
ولقد اصبح الآن مفهوم البيئة اكثر شمولا واتساعا عما سبق ، والذى كان مقتصرا على البيئة الطبيعية فقط ، وهذا ما توضحه المفاهيم التالية التى جاءت فى رسالة ماجستير غير منشورة ل " محمد عادل صادق " عن
( الخصائص الاجتماعية المتصلة بمشكلة القمامة فى مصر ) بمعهد الدراسات والبحوث البيئية عام 1994م :ـ
** تعريف ميشيل ألبى :ـ  
( البيئة تتكون من قسمين : الأول منها العوامل الطبيعية ، والكيميائية ، والبيولوجية المحيطة بالكائن الحى . والثانى هو السائل بخلايا الجسم لدى الكائنات الفقارية وغيرها ، وهذا الوسط يعمل على المحافظة على الاستمرارية .)
ويتضح من هذا التعريف انه اغفل أهم العناصر بالبيئة وهو الإنسان وكذلك تفاعلاته ، والتأثير المتبادل بينه وبين عناصر البيئة المختلفة ، أي اغفل الجوانب الاجتماعية والثقافية .
       ** وقد عرف كل من رشيد الحمد ومحمد صبارين البيئة بأنها :ـ
( الإطار الذي يعيش فيه الإنسان ، ويحصل منه على مقومات حياته من غذاء ، وكساء ودواء ومأوى ، ويمارس فيه علاقاته مع أقرانه من بنى البشر ).
 ويبين هذا التعريف أهمية الجوانب الاجتماعية للبيئة والتى يحدثها الإنسان أثناء تفاعله مع أقرانه من بنى البشر ، وهو يؤكد أن البيئة ليست موارد فقط ، ولكنها تشمل الجانب الاجتماعي والثقافى أيضا .
** وقد أكد " إسماعيل عبد الفتاح عبد الكافي " فى تعريفه للبيئة على أهمية التفاعل بين الإنسان وبيئته فعرفها بأنها : الإطار الذى يمارس فيه الإنسان حياته ، وهى مجموعة الظروف والأحوال والمواد والأحياء التى قد تؤثر على الإنسان ويتفاعل معها .
** وقد عرفها " محمد احمد عبد الله" بأنها :ـ
( المحيط ، أو الوسيط الذى يولد فيه الإنسان ، وينشا بينة ، ويعيش من خلاله حتى تنتهى حياته ، فيدفن فى ترابه ، وتشمل البيئة عوامل عديدة لها تأثيرها الخاص فى الإنسان واهم هذه العوامل : الموقع ، والمساحة ، والمناخ ، والتضاريس ، والتربة ، وتوزيع الأمطار ، والمعادن ، والمحيطات والسواحل ، النباتات الطبيعية ، والحيوانات ، وتكون هذه العوامل أهم مجالات البيئة الطبيعية التى لا تنفصل عن البيئة البيولوجية أو الاقتصادية والاجتماعية ، حيث إن كل منها تكمل الأخرى ) .
** وقد عرف معجم المصطلحات الاجتماعية البيئة بأنها :ـ ( المجال الذى تحدث فيه الإثارة والتفاعل لكل وحدة حيه ، وهى كل ما يحيط بالإنسان من طبيعة ، ومجتمعات بشرية ونظم اجتماعية وعلاقات شخصية ، وهى المؤثر الذى يدفع الكائنات إلى الحركة ، والنشاط ، والسعى فالتفاعل متواصل بين البيئة والفرد والعطاء مستمر ومتلاحق) .

  ** وهناك تعريفات أخرى للبيئة منها :ـ
** تعرف البيئة بأنها : مجموعة الظروف والعوامل المحيطة بالكائنات الحية التى لها تأثير على العمليات الحيوية التى تقوم بها .
** والبيئة بصفة عامة قد تكون بيئة طبيعية ( وهى كل ما يحيط بالإنسان من مكونات مختلفة سواء أكانت جمادا أو نباتا أو إنسانا ) أو بيئة اجتماعية ( وهى كل مجموعة المكونات المعنوية أي غير الملموسة التى يوجد الإنسان فى نطاقها مثل العلاقات السائدة فى البيئة والتراث الثقافى .....) [5]
** والبيئة هى كل ما هو خارج عن كيان الإنسان وكل ما يحيط به من موجودات فالهواء الذى يتنفسه الإنسان والماء الذى يشربة والأرض التى يسكن عليها ويزرعها وما يحيط به من كائنات حية أو جماد هى عناصر البيئة التى يعيش فيها . وهى الإطار الذى يمارس فيه حياته ونشاطاته المختلفة... [6]
** والتعريف الدولى للبيئة الذى اقره المؤتمر الدولى للبيئة ( استوكهولم 1972م ) هو إن البيئة هى : مجموعة النظم الطبيعية والاجتماعية والثقافية التى يعيش فيها الإنسان  والكائنات الأخرى والتى يستمدون منها زادهم ويؤدون فيها نشاطهم .[7]
** كما تعرف البيئة بأنها كل ما يحيط بالإنسان من عناصر طبيعية وجوانب ثقافية واجتماعية وقيميه تؤثر فيه وتتأثر به ، فهى تتضمن المنظومة الطبيعية والاجتماعية والتقنية التى اختراعها الإنسان . [8]
*************
** تصنيف البيئة :ـ
   ويمكن تصنيف البيئة إلى :
1ـ البيئة الطبيعية :ـ
        ويقصد بها كل ما يحيط بالإنسان من ظاهرات حية وغير حية وليس للإنسان دخل في وجودها أو استحداثها ، وهى تحتوى على أربعة نظم ترتبط وتتفاعل وتتوازن مع النظم الأخرى . وتتمثل هذه النظم فى :ـ
    ( ا ) الغلاف الأرضي .    ( ب ) الغلاف المائى .      ( ج ) الغلاف الغازى .      ( د ) الغلاف الحيوى للأرض
2ـ البيئة البشرية ( الاجتماعية ) :ـ
وهى تعد الناتج المباشر للتفاعلات الحادثة بين الإنسان وبيئته الطبيعية . وعلى ذلك فالمقصود بالبيئة البشرية : الإنسان وإنجازاته التى أوجدها داخل البيئة الطبيعية وهى تشمل عادات الإنسان وقيمه وتقاليده وثقافته والعلاقات الاجتماعية المنظمة للتفاعلات الحادثة بين البشر بعضهم البعض . [9]
** هذا وقد حدد مؤتمر تبليس الدولى للتربية البيئية عام 1977م أبعاد البيئة كما يلى :ـ[10]

المحتـــــــــــــــــويــات
1ـ البيئة الطبيعية
الأرض ( التربة ـ المياه الجوفية ـ المعادن ـ التصدعات الأرضية ـ الزلازل ...............)
المناخ ( الأمطار ـ الأعاصير ـ الرياح ..........................................)
النباتات ـ الحيوان ـ المناظر الطبيعية ـ الغابات ـ ...............................
2ـ البيئة الاجتماعية أو المشيدة والحضرية
1ـ استخدام الأرض ( مساكن ـ مصانع ـ الكثافة السكانية ـ )
2ـ البيئة الأساسية ( مياه ـ مجارى ـ كهرباء ـ طرق ـ مطارات )
3ـ تلوث الهواء ( مصادر التلوث ، حجم التلوث )
4ـ تلوث المياه ( طرق الصرف المياه ـ أساليب المعالجة ـ الأسمدة...)
5ـ مستوى الضجيج ( مطارات ـ سكك حديدية ـ حركة السيارات على الطرق )
3ـ البيئة الاجتماعية

1ـ الخدمات الاجتماعية ( مدارس ـ أماكن ترويح ـ شرطة ـ دفاع مدنى ـ موصلات عامة وداخلية )       2ـ العمل والتجارة          3ـ الخصائص الاجتماعية ...للسكان وظروف السكان
4ـ البيئة الجمالية
المناطق التاريخية ـالتراث الوطنى ـ الخصائص المعمارية للمبانى القائمة
5ـ البيئة الاقتصادية
العمل ـ البطالة ـ مستوى الدخل ، الطبيعة الاقتصادية للمنطقة
وهذه الأبعاد أشار إليها مؤتمر تبليس الدولى للتربية عام 1977م حيث أوضح أن البيئة : هى كافة العوامل الطبيعية والاجتماعية والثقافية والإنسانية التى تؤثر على الأفراد وجماعات والكائنات الحية وتحدد شكلها وعلاقاتها وبقائها .
 ( 2) الفقـــــــــر :ـ
إن هناك صعوبة فى تقديم تعريف قاطع للفقر ، فإن استعراض المفاهيم والمقاييس المختلفة للفقر يوفر تنوعا كبيرا من الخطوط الإرشادية لسياسة التخفيف من الفقر ليس فقط من خلال تحويلات الدخل" عينية كانت أم نقدية " وإنما أيضا من خلال تحويلات بناء القدرات البشرية وإزالة كل أشكال ومسببات الاستبعاد ، أو التغريب الإجتماعى ويتفق هذا مع النظر إلى الفقر باعتباره ظاهرة متعددة الأبعاد ويمكن التعبير عنها من خلال مفهومين متكاملين للفقر وهما :
1)     فقر الدخل ( الذي ينصرف إلى عدم كفاية الموارد لتامين الحد الأدنى لمستوى المعيشة المناسب اجتماعيا )
2)  فقر القدرة ( الذي ينصرف إلى تدنى مستوى قدرات الإنسان إلى حد يمنعه من المشاركة فى عملية التنمية وفى جنى ثمارها .  [11]
والفقر مفهوم معقد إذ تعددت وجهات النظر فى معظم الكتابات التى تعرضت لمفهوم الفقر ووضع معايير لقياسه ولعل أهم التعريفات التى تعرضت لمفهوم الفقر و أكثرها شيوعا وانتشارا هو تعريف البنك الدولى .
** ويعرف البنك الدولى الفقر " بأنه عدم القدرة على تحقيق الحد الأدنى من مستوى المعيشة "
واتجه بعض الاقتصاديين إلى تعريف الفقر بأنه " عدم قدرة الفرد على إشباع الحاجات الفردية اللازمة لاستمرار الحياة ويشمل ذلك الغذاء والملبس والمسكن والصحة " [12]
** ولعل من اكثر التعريفات المطروحة لتحديد مفهوم الفقر تلك التى تنظر إلى الفقر بأنه عدم القدرة على تحقيق الحد الأدنى من مستوى المعيشة .[13]
وبصفة عامة فلقد ارتبط  مفهوم الفقر بإنخفاض الدخل الذى يصعب معه إشباع الحاجات المطلوبة لبقاء الإنسان وتنميته الأمر الذى  يترتب عليه مشاكل عديدة من الناحية الاجتماعية مثل الشعور بالحرمان والعزلة والهوان والضعف وبالتالى تكون حالة الفقر جزءا من الحالة البنائية للمجتمع يتولد عنها وضع إجتماعى معين.
هذا الوضع الناتج عن الفقر يتولد عنة مجموعة مؤشرات اجتماعية مثل انخفاض المستويات الصحية والتعليمية وارتفاع درجة الأمية وانخفاض مستوى المعيشة وزيادة التواكل والقدرية فى المجتمع الأمر الذى ينتج عنه الخضوع والاضطهاد وتقبل التزييف الذى تمارسه السلطة لتتمكن من الاستمرار فى الحكم ، ولقد أصبحت مؤشرات الفقر جزء من البيئة الاجتماعية ، باعتبار انه عامل من عوامل التخلف فى المجتمع .
وعلى الرغم من افتقادنا إلى تعريف جامع مانع للفقر والفقراء فإن هناك محاولات من بعض العلماء لإعطاء هذه التعاريف الصفة الجامعة ، فيعرف البعض الفقر بأنه " مشكلة اجتماعية تحول بين الإنسان وتحقيق مستوى اقتصادي وإجتماعى مرغوب ومقبول "       ويعد الفقر مشكلة اجتماعية لأنه يؤثر فى أعداد كبيرة من الناس ، فهو محصلة عجز الناس عن تحقيق توفير إحتياجاتهم  الأساسية نتيجة تعقد البناء الإجتماعى ، كما انه يحول بينهم وبين تحقيق أمانيهم وتوقعاتهم بالنسبة للمستقبل .
ويرى البعض الآخر من العلماء أن الفقر" يعنى العجز المادى عن تحقيق الرفاهية الإقتصادية و الإجتماعية ، وهو مشكلة اقتصادية نتيجة تفاوت توزيع الدخل القومى ، وعدم توزيع الملكية توزيعا عادلا وانخفاض الإنتاج الكلى للمجتمع" . ويترتب على هذا التعريف عدة مؤشرات للفقر منها :
1)     إنخفاض مستوى المعيشة لمن يعدون فقراء بسبب انخفاض الدخل وانتشار الأمية وانخفاض المستوى الصحى .
2)  الإضطهاد الذى تمارسه الجماعات الغنية على الفقراء ،ليكونوا خاضعين لهم دائما ، ولا توجد أمامهم فرصة للمشاركة الإجتماعية .
وهناك تعريف آخر للفقر أعده مكتب العمل الدولى التابع لهيئة لأمم المتحدة عام 1976م وهذا المفهوم يهتم بضرورة توفير الحد الأدنى لما يلزم الأسرة من الاستهلاك الشخصى من الغذاء والملبس والمسكن مع تمكين الأسرة من الحصول على الخدمات العامة الأساسية مثل الماء النقى والخدمات الصحية والطبية والتعليم والمواصلات بالإضافة إلى توفير فرص العمل المجزية لأفراد الأسرة القادرين والباحثين عن العمل . [14]       
مما سبق يتضح أنه ليس هناك اتفاق على معنى واحد لمفهوم الفقر وانما هناك اجتهادات كثيرة تتداخل فى اكثر من نقطة ويرجع ذلك إلى عوامل كثيرة مختلفة من أهمها اختلاف المواقف المبدئية للباحثين المختلفين من الفقر وتصورهم لما يلزم عمله بشأنها وتنوع المنطلقات النظرية والاختيارات المنهجية وغيرها وفضلا عن هذا هناك عوامل ثانوية كثيرة ربما كان من أبرزها :ـ
1)     اختلاف السياقات الحضارية التى يظهر الفقر فيها .
2)     تباين صور الفقر ومدى انتشاره وحدته باختلاف المجتمعات والعصور
** وبصفة عامة توجد ثلاثة مفاهيم أساسية للفقر هى :ـ 
(1)    مفهوم الفقر الذاتى :                          يقاس الفقر الذاتى بطريقتين هما :
الأولى : تقيس درجة إشباع الحاجات كما يحددها الفرد وفيها يصف نفسه بأنه فقير أو غنى .
الثانية  : تعتمد على ملاحظة سلوك الفرد وبخاصة السلوك المتعلق بالدخل وهذه الطريقة افضل من الأولى  
(2) مفهوم حد الفقر المطلق :ـ
يعرف الفقر المطلق بأنه : ذلك الحد أو المستوى الذى يربط بين الحد الفاصل فى أدنى مستوى معيشة ملائم فى المجتمع وبين ما يقع دونه بحيث يعتبر من يعيش دون المستوى المحدد فى حالة فقر مطلق ويعبر عن هذا الحد عادة بالحد الأدنى لدخل الفرد أو الأسرة الذى يسمح بأقل مستوى دخل مقبول فى مجتمع معين .
أن هذا المفهوم يتضمن عادة الحكم على مدى الاحتياجات الإنسانية ويقاس بمدى توافر الحاجات الأساسية للفرد ويتضمن هذا المفهوم خط الفقر المطلق يمكن استخدامه فى مختلف المجتمعات ويكون الفقراء هم الأفراد الذين يكون  دخلهم دون هذا الخط .[15]
أي انه وفقا لهذا المدخل يعتبر الشخص ( الأسرة ) فقيرا إذا انخفض دخله الحقيقى عن حد أدني معين يسمى بحد الفقر ويتحدد هذا الحد وفقا لدراسات متخصصة تأخذ فى حسبانها الاحتياجات الضرورية للفرد أو الأسرة من المأكل والملبس والمسكن والانتقال والعلاج وغيرها من الضروريات ويتعين ملاحظة إن حد الفقر يختلف من دولة لأخرى وفقا لمستواها الاقتصادى فالاحتياجات الضرورية للفرد بالولايات المتحدة مثلا  اكثر بكثير من الاحتياجات الضرورية للفرد بالهند ولذا يتوقع أن يكون حد الفقر فى الأولى أعلى منها بالأخيرة بل انه وفقا لحد الفقر بالولايات المتحدة قد يكون كل سكان الهند فقراء وفقا لحد الفقر بالهند قد لا يوجد فقيرا واحدا بالولايات المتحدة كما يختلف حد الفقر داخل البلد الواحدة من فترة زمنية لأخرى تبعا للارتفاع فى الأسعار وتبعا لتغير المستوى الاقتصادى للبلد بل إن حد الفقر قد يختلف من إقليم لأخر داخل نفس البلد فهو فى المناطق الريفية اقل منه بالمناطق الحضارية .
ووفقا لمخل الفقر المطلق تؤدى التنمية الاقتصادية لتخفيف حدة الفقر فى المجتمع إذا صاحبها تحقيق النتائج التالية :ـ
     أ ) إذا قل عدد الأفراد أو الأسر الذين يعيشون تحت حد الفقر أو قلت نسبتهم من إجمالي السكان وهذا يتضمن حدوث زيادة فى الدخول المطلقة لبعض أفراد الطبقة الفقيرة بحيث ترتفع دخولهم من مستوى اقل من حد الفقر إلى مستوى أعلى من حد الفقر
ب) إذا ارتفع مستوى الدخل للإفراد الذين ظلوا يعيشون تحت حد الفقر ولعلى هذا يضمن إلى حد ما إن الزيادة التى حدثت فى دخول بعض أفراد الطبقة الفقيرة ورفعتهم فوق حد الفقر لم تتم على حساب نقص فى دخول الأفراد الآخرين من نفس الطبقة والذين ظلوا تحت حد الفقر فارتفاع متوسط الدخل للأفراد الذين يعيشون تحت حد الفقر يعنى إن التحسن فى الدخل لم يقتصر على القلة الذين خرجوا من تحت حد الفقر ولكنه امتد ليشمل الذين ظلوا تحت حد الفقر أيضا .
ج) انخفاض التباين بين دخول الأفراد الذين يعيشون تحت حد الفقر ولعل هذا الشرط يضمن إن الزيادة فى الدخل الكلى لطبقة الفقيرة لم يستأثر بها قلة منهم ولكنها توزعت بينهم بحيث يحصل الأفراد الأقل دخلا على نصيب اكبر من هذه الزيادة مما يقلل من فوارق الدخول بين كل أفراد الطبقة .
ووفقا لمفهوم الفقر المطلق إذا نجحت جهود التنمية فى رفع دخول جميع أفراد المجتمع فوق حد الفقر المحدد فإنها تكون بذلك قد قضت على ظاهرة الفقر فى المجتمع .[16]
(3)  مفهوم الفقر النسبى :ـ
فهو يعتبر الفقر ظاهرة نسبية ، حيث يوجد فى كل مجتمع فقراء حتى أغنى المجتمعات فى العالم . ووفقا لهذا المفهوم يتم ترتيب أفراد المجتمع تنازليا أو تصاعديا فى مجموعات وفقا لمتوسط الدخل بدءا بالمجموعة الأعلى دخلا ثم الأقل ثم الأقل أو العكس .  ويعتبر هذا المفهوم إن مجموعة 40% من السكان الأقل دخلا هى طبقة الفقراء حتى ولو كان اقل دخل فى هذه المجموعة أعلى من حد الفقر .    وهذا يعنى انه وفقا لهذا المفهوم يعتبر الفقراء هم الأفراد الأقل دخلا بغض النظر عن مستويات دخولهم .
    ومن ثم تؤدى جهود التنمية الاقتصادية لتخفيف حدة الفقر إذا ترتب عليها ارتفاع فى متوسط الدخل لأفقر 40% من السكان . ولكن لا تؤدى التنمية الاقتصادية أبدا للقضاء على الفقر إلا إذا تساوت جميع دخول أفراد المجتمع مساواة مطلقة
 ولكن يلاحظ أن مفهوم الفقر النسبى يعانى من بعض النقائض :
(1)  لا يشترط هذا المفهوم ضرورة زيادة النصيب النسبى للطبقة الفقيرة من الدخل الكلى حتى تخف ظاهرة الفقر ويكتفى باشتراط زيادة متوسط الدخل المطلق لهذه الطبقة . غير انه إذا زادت فى نفس الوقت دخول الطبقة الغنية بمعدل اكبر فان النصيب النسبى للطبقة الغنية ، الأمر الذى يؤدى لزيادة الفجوة بين دخول الطبقتين ولاشك أن هذا يعتبر تدهورا فى الوضع النسبى للطبقة الفقيرة .
(2)  يلاحظ أن نسبة ال40% التى حددها هذا المفهوم هى نسبة تحكمية وهى قد لا تستوعب كل طبقة الفقراء وفقا لمفهوم حد الفقر إذا كان هناك اكثر من 40% من أفراد المجتمع ينخفض دخلهم المطلق عن حد الفقر[17]  
** ويمثل الفقر ـ أيا كانت أبعاده ـ عقبة أمام الاستثمار فى البشر ورفع معدلات النمو الاقتصادى . ويشل الفقر آليات الوصول والمشاركة على كل من المستويين الجزئى ( العائلى ) والوسطى ( المؤسسى ) .   فعلى سبيل المثال قد تتوفر الخدمات الأساسية ـ كالتعليم والصحة ـ مجانا وبكميات ونوعيات مناسبة ولكن أفرادا أو جماعات معينة لا يستطعون الوصول إليها لأنهم أفقر من إن يتحملوا التكاليف المصاحبة للاستفادة بهذه الخدمات ( مثل فقدان الدخل أو تكاليف الدواء أو المستلزمات المدرسية ،أو تكاليف الانتقال إلى مكان هذه الخدمات . وفى هذا الإطار هناك سؤال يطرح نفسه الآن وهو هل كل الذين لا يشبعون حاجاتهم الأساسية فى حالة فقر ؟ والإجابة على هذا السؤال تتوقف على تعريف خط الفقر وعلى مستوى الحاجات الأساسية ومكوناتها . وقد عرفت الحاجات الأساسية بأنها تشتمل على حاجات مادية كالطعام والسكن والملبس والمياه النقية ووسائل التعليم والصحة وحاجات غير مادية مثل حق المشاركة والحرية الإنسانية والعدالة الاجتماعية .  وقد يعانى بعض الناس فقرا فى إشباع إحدى هذه الحاجات كأن تكون ظروف سكنهم أدنى من مقياس للفقر على أساس السكن بينما يشبعون حاجة أساسية أخرى كالطعام بما يتجاوز مقياس الفقر الخاص بها , فهل يعيش هؤلاء الناس فى حالة فقر ؟  وللإجابة على هذا السؤال لابد من وجود تعريف قاطع للفقر والخطوط التى يعتمد قياسه عليها . ولكن ليس هناك تعريف قاطع للفقر أو طريقه موضوعية كاملة لتحديد خط الفقر .   
* ومؤخرا أصبح الفقر ينظر إلية على انه مفهوم مثلث الأبعاد حيث يغطى هذا المفهوم ثلاثة عناصر أساسية هى :ـ
1ـ الخل والاستهلاك      2ـ صافى الأصول ( شاملة حقوق المعاش ) والأمان     3ـ الاستقلالية واحترام الذات
وبعبارة أخرى فإن أبعاد الفقر الثلاثة تتصل بحق البقاء والأمن واحترام الذات .
** ولقد استوعبت الأفكار الحديثة للتنمية البشرية تحديد مفهوم الفقر والحرمان من المنظور متعدد الأبعاد فدمجت فى رؤيتها وقياسها للفقر بين فقر الدخل وفقر القدرة ، وتعرف التنمية البشرية فى التقارير الخاصة بها بأنها عملية توسيع اختيارات الناس ويعتمد دليل التنمية البشرية فى قياس منجزات التنمية البشرية أو بالعكس الحرمان البشرى على التعليم والصحة والدخل بإعتبارها الحاجات الثلاثة الأساسية ويذهب مفهوم التنمية البشرية إلي ابعد من هذه المكونات الثلاثة لدليل التنمية البشرية ليشمل عناصر أخرى كثيرة منها المساواة والكرامة والديمقراطية والتنوع الثقافى والبيئة الآمنة والتعايش السلمى والسماحة .
وتتحقق التنمية البشرية من خلال ثلاثة ديناميكات أساسية هى الاستمرارية والوصول والمشاركة ، ولما كان الفقر يحد من تفعيل هذه الديناميكات فانه يعوق امتداد الحقوق المشار إليها إلى جميع الناس فى حين أن هذا الامتداد وذاك التفعيل شرطان أوليان للتخفيف من الفقر ذاته وعلى هذا النحو يمثل الفقر حلقة مفرغة تؤثر سلبيا على منجزات التنمية البشرية
** هذا وقد ميز التقرير الدولى للتنمية البشرية (1996) بين نوعين من الفقر هما :
1)  فقر الدخل : حيث يلاحظ التقرير انه من المعتاد التفكير فى الفقر على انه نقص فى الدخل باعتبار ما يفترض على نطاق واسع من إن الدخل هو الذى يحدد مستوى الرفاهية المادى ومن ثم إذا ما كان خط الفقر يتحدد بدولار واحد فى اليوم فإن 33% من سكان العالم النامى أو 3و1 بليون نسمة يدخلون فى عداد الفقراء ولكن فقر الدخل الأجزاء من الصورة فكما إن التنمية البشرية تحتوى من جوانب الحياة ما هو أوسع بكثير من الدخل كأن الفقر أيضا يجب إن ينظر إليه باعتباره ظاهرة متعددة الأبعاد .
2)  فقر القدرة : هو مقياس متعدد الأبعاد للحرمان البشرى يقصد به أن يكون مكملا لمقاييس الفقر على أساس الدخل ويركز هذا المقياس على القدرات البشرية ولكنه يعكس النسبة المئوية للناس الذين تنقصهم القدرات البشرية الأساسية أو الحد الأدنى الأساسي من هذه القدرات .
** ويعتمد قياس فقر القدرة على ثلاث مؤشرات أساسية هى:
v  مؤشر غذائى : صحى يتمثل فى نسبة ناقصى الوزن من الأطفال دون سن الخامسة وتعبر هذه النسبة عن درجة القصور فى القدرة على تامين الغذاء الجيد وما يرتبط به فى حالة صحية جيدة . 
v  مؤشر صحى إنجابي : يتمثل فى نسبة حالات الولادة التى تتم دون إشراف صحى بواسطة أيدي مدربة على ذلك وتعبر هذه النسبة بطريقة تقريبية عن الحرمان من القدرة على تامين الإنجاب الصحى .
v     مؤشر تعليمى معرفى : يتمثل فى نسبة الأمية بين الإناث وتعبر هذه النسبة عن الحرمان من القدرة على التسلح بالعلم والمعرفة 
ويتم جمع هذه المؤشرات الثلاثة وقسمتها على ثلاثة ـ بالنسبة لكل دولة ـ للحصول على متوسط حسابى بسيط يقيــــس " فقر القدرة" فى هذه الدولة وكلما كان هذا المتوسط منخفضا كلما كان فقر القدرة اقل والعكس صحيح
** ومع تطور البحث فى مجال الفقر خاصة فيما يتعلق بالمفاهيم والقياسات تبلور منهجان مختلفان هما :ـ
v  المنهج الأول : تعتمد على طريقة الدخل والاستهلاك ( ويقيس الحرمان الناتج عن نقص القدرة على شراء السلع والخدمات كما يعبر عنها بمستويات الدخل والاستهلاك التى يمكن الحصول على بياناتها من مسوح دخل الأسر وإنفاقها
v  المنهج الثانى : فيعرف بطريقة المشاركة والتى تبنى على تعريف للحرمان ينبع من عوامل تغطى نطاق أوسع من مجرد الدخل والاستهلاك وتحدد العوامل عن طريق ما يعرف ب " تقييم الفقر بالمشاركة " .
ومنهج " تقييم أحوال الفقر بالمشاركة " هو منهج يهدف أساسا إلى ضمان أن يكون للفقراء والجماعات المهمشة صوت مسموع فى الحوار الدائر حول الفقر . حيث إن استكشاف كيف يفكر الفقراء فى أحوال معيشتهم له أهمية كبرى فى تصميم سياسات وبرامج مكافحة الفقر . وفضلا عن ذلك فان إعطاء الفقراء فرصة للتعبير عن أنفسهم يمثل أحد الطرق الهامة لإثبات وجودهم ودعم مشاركتهم فى صنع السياسات التى تعنى بأوضاعهم ومشاكلهم .
ويتسق البحث بالمشاركة مع مفهوم التنمية البشرية الذى يعطى وزنا كبيرا للمشاركة ويعتبرها وسيلة رئيسية لتعزيز فاعلية الناس وتهيئهم لمشاق وتحديات عملية التنمية طويلة الآجل . [18]

** خط الفقر :ـ
 ** ويقصد بخط الفقر:  الحد الأدنى من الدخل النقدى اللازم لتحقيق حجم الاستهلاك المطلوب لاستمرار الحياة وتوفير الأساسية من غذاء ومسكن ورعاية صحية عند الحدود الدنيا لها . [19]
** كما يقصد بخط الفقر : بأنه الحالة التى يكون فيها الفرد عاجزا عن الوفاء بتوفير متطلبات الغذاء والملبس والمأوى الضرورى لنفسه .[20]
                                            ******************************
   ( 3) التنمية :ـ            
صاغ العلماء العديد من التعريفات التى حاولت إلقاء الضوء على مفهوم التنمية والتى تعكس العديد من الاتجاهات فى فهمه ومن هذه التعريفات [21]
(1) تعريف الدكتور محمد الجوهرى : التنمية بشكل عام عملية تغير ثقافى دينامية وموجهه تتم فى إطار إجتماعى معين ( بصرف النظر عن حجم هذا المجتمع ) . وترتبط عملية التنمية بإزدياد أعداد المشاركين من أبناء الجماعة فى دفع هذا التغيير وتوجيهه ، وكذلك الانتفاع بنتائجه وثمراته .  أي أن التنمية بهذا المعنى تنطوى على توظيف جهود الكل من اجل صالح الكل خاصة تلك القطاعات والفئات الاجتماعية التى حرمت فى السابق من فرص التقدم والنمو .
(2) تعريف الدكتور محمد الكردى : التنمية هدف عام وشامل لعملية ديناميكية تحدث فى المجتمع . ونجد مظاهرها فى تلك السلسة من التغيرات البنائية والوظيفية التى تصيب مكونات المجتمع .  وتعتمد هذه العملية على التحكم فى حجم ونوعية الموارد المادية والبشرية المتاحة للوصول بها إلى أقصى استغلال ممكن ، فى اقصر فترة مستطاعه ، وذلك بهدف تحقيق الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية المنشودة للغالبية من أفراد المجتمع .
(3) تعريف الدكتور كمال التابعى : التنمية مجموعة عمليات دينامية متكاملة ، تحدث فى المجتمع من خلال الجهود الأهلية والحكومية المشتركة بأساليب ديمقراطية ، ووفق سياسة اجتماعية محددة وخطة واقعية مرسومة وتتجسد مظاهرها فى سلسة من التغيرات البنائية والوظيفية التى تصيب كل مكونات البناء الإجتماعى للمجتمع . وتعتمد هذه العمليات على موارد المجتمع المادية والطبيعية والبشرية المتاحة والميسرة للوصول إلى أقصى استغلال ممكن فى اقصر وقت مستطاع . وذلك بقصد تحقيق الرفاهية الاجتماعية لكل أفراد المجتمع .
*****************************
( 4) المفاهيم المعاصرة للتنمية :ـ
** التنمية المتواصلة ( المستدامة )                  ** التنمية المستقلة                     ** التنمية البشرية
أولا : التنمية المتواصلة ( المستدامة ) :ـ
** بالنسبة لتعريف مفهوم التنمية المتواصلة فلقد تعددت التعريفات ولكن جميعها يدور حول محور واحد بل إن هناك من أطلق عليها التنمية المستدامة والتنمية المستمرة وجميعها يستند إلى مبدأ واحد هو الاستغلال الأمثل للموارد والثروات بطريقة لا تخل بقدرات الأجيال القادمة من الموارد الطبيعية
وقد ركز البعض فى تعريفة للتنمية المتواصلة على الجوانب المادية لها مع التأكيد على استخدام الموارد الطبيعية المتجددة بطريقة لا تؤدى إلى فنائها أو تدهورها أو تؤدى إلى تناقص جدواها بالنسبة إلى الأجيال المقبلة وذلك مع المحافظة على رصيد ثابت بطريقة فعاله أو غير متناقص من الموارد الطبيعية مثل التربة والمياه الجوفية
وقد توسع البعض فى تعريف التنمية المتواصلة بحيث تشمل تحقيق التحول السريع فى القاعدة التكنولوجية للحضارة الصناعية أشاروا إلى إن هناك حاجة تكنولوجيا جديدة تكون انظف واكفأ واقدر على إنقاذ الموارد الطبيعية حتى يتثنى الحد من التلوث والمساعدة على تحقيق استقرار المناخ واستيعاب النمو فى عدد السكان وفى النشاط الاقتصادى [22]
** وقد عرفتها الوكالة العالمية للبيئة والتنمية :  بأنها التنمية التى تواجه احتياجات الأفراد الراهنة دون الإنقاص من قدرات الأجيال القادمة على مواجهة احتياجاتها ويقضى هذا ضرورة :
(1) توفير أفق زمنى يمتد إلى المستقبل ولفترة تتجاوز فترات إجراء الانتخابات بالمجتمعات الديمقراطية أو لفترة تزيد عن طول فترة خطط التنمية الخمسية
 (2) توفير أفق أخلاقي يحدد المسؤوليات الاجتماعية اتجاه الجيل الحالى والأجيال المقبلة
      ** التقرير الصادر عام 1987م عن اللجنة الدولية والتنمية ( تقرير برانتلاند ) يعرف التنمية المستدامة بأنها التنمية التى تفى باحتياجات الجيل الحالى دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على الوفاء بإحتياجاتها .  فالتنمية المستدامة لا تعنى فقط تسليم الأجيال القادمة كل النية الأساسية التى صنعها الإنسان مثل الطرق والدارس والمنشآت التاريخية وراس المال البشرى مثل المعرفة والمهارات ولكنها تعنى أيضا راس المال البيئى والطبيعي مثل الهواء النظيف والماء النقى وغابات الأمطار وطبقة الأزون والتنوع البيولوجي .
** هذا إن مفهوم التنمية المستدامة يثير الاهتمام بنوع جديد من العدالة والمساواة وبوحه عام فإن كل تعاريف التنمية المستدامة تجمع على إن التنمية المستدامة تتضمن :
(1) الوفاء بحاجات الحاضر دون الحد من قدرة أجيال المستقبل على الوفاء بإحتياجاتها
(2) الإدارة الواعية للمصادر المتاحة والقدرات البيئية وإعادة تأهيل البيئة التى تعرضت للتدهور وسوء الاستخدام
(3) الأخذ بسياسات التوقعات الوقائية للتعامل مع القضايا البيئية الآخذة فى الظهور فالممارسة اكثر فاعلية واقتصادا من التعامل مع هذه القضايا بعد استفحال أمرها فالوقاية خيرا من العلاج .
(4) وضع سياسات للبيئة والتنمية تكون نابعة من الحاجة إلى التنمية المستدامة مع التركيز على تنشيط النمو وتغير نوعيته ومعالجة مشكلات الفقر وسد حاجات الإنسان والتعامل مع مشكلات النمو السكانى ومع صون وتنمية قاعدة المصادر وإعادة توجيه التكنولوجيا وإدارة المخاطر ودمج البيئة والاقتصاد عند صنع القرار .[23]
ثانيا : التنمية المستقلة :ـ
أنها تلك العملية التى تتضمن فعلا ديناميكيا بعيد الأمد يتناول بالتغيير حالات الكفاءة الإنتاجية والعادلة الاجتماعية والعلاقات البنيانية كافة بما يكفل تعظيم القدرات الذاتية للبلد بشكل منفرد أو ضمن تكامل إقليمي أو قومى بما يؤمن استقلالية القرار الاقتصادى والإجتماعى والسياسى بعيدا قدر الإمكان عن أي تأثيرات خارجية .[24]
ثالثا : التنمية البشرية :ـ
      تعرف التنمية البشرية طبقا لما ورد فى تقرير التنمية البشرية الصادرة عن البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة بأنها عملية توسيع اختيارات الناس هذه الاختيارات لانهائية بطبيعتها غير إنها تحدد من الناحية الواقعية بمحددات اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية بالإضافة إلى ما يمكن أن يكون متاحا من سلع وخدمات ومعارف لتلبية هذه الاختيارات التى يمتد مجالها من الحاجات إلى الطعام والشراب والسكن والتعليم والصحة والبيئة النظيفة ........الخ .  إلى الرغبة فى المشاركة فى كل ما يجرى فى المجتمع .          فى حدود هذا المفهوم فإنه أيا كان مستوى التنمية فإن الناس يتطلعون دائما إلى امتداد أعمارهم وهم بصحة جيدة وتحصيل المعارف والعلوم وان تفتح لهم أبواب الحصول على الموارد التى تهيئ لهم حياة كريمة فإذا تعذر ترجمة هذه الاختيارات الثلاثة إلى واقع الحياة تتضاءل إن لم تنعدم فرصة تلبية معظم الاختيارات الأخرى .
ومضمون التنمية البشرية أن يصبح الناس هم مركز التنمية ومحورها فالتنمية البشرية تنصرف إلى تنمية الناس بالتركيز على تكوين وبناء القدرات البشرية كما إنها تنمية من اجل الناس لما تؤكده من ضرورة استخدام هذه القدرات فى أنشطة إنتاجية تضمن استمرارية التنمية والتوزيع العادل لثمارها وهى بالضرورة تنمية بواسطة الناس لأنها تعمد إلى توسيع اختياراتهم وتعميم ومشاركتهم فى اتخاذ القرارات ويلاحظ تكامل هذه الأبعاد الثلاثة مع بعضها حيث يعضد كل منها البعدين الآخرين ، وتتعثر التنمية البشرية حين يتخلف أحد هذه الأبعاد .[25]
*********************************************************************
                                      الفصــــــــــــــــــــل الثانى

   المبـــــــــــــحث الأول

الفقر كأحد المشكلات التى  تعانى منها البلاد النامية
(1) الاتجاهات المفسرة لظاهرة الفقر
** مقدمة :-
رغم التقدم التقني الذى يتميز به هذا القرن والارتفاع التدريجى فى معدلات التنمية الاقتصادية وفى مستوى الأرقام القياسية للرفاهية ، فاقد ظل الفقر يمثل مشكلة خطيرة للغاية ،ومازال يتزايد فى كثير من أنحاء العالم بما فى ذلك بعض الدول المتقدمة .
فالإقلال من الفقر هو الهدف الأساسي للتنمية وقد قدر إن اكثر من مليار شخص فى العالم يعيشون فى فقر مقدع فى عام 1985 وهم الآن فى تزايد مستمر رغم الاهتمام بالتنمية الاقتصادية فى العالم .
فلقد تطور مفهوم الفقر تدريجيا ، كما اختلف من حضارة  إلى أخرى  والمعايير المستخدمة للتفرقة بين الفقراء وغير الفقراء تجنح إلى كونها تعكس أولويات قومية محددة ومفاهيم معيارية خاصة بالرفاهية وبصورة عامة كلما ارتفع دخل الفرد فى الدول المتقدمة ،وتغيرت نظرة هذه الدول إلى الحد الأدنى المقبول للاستهلاك ،والذي يطلق عليه حد الفقر .   ففى عام 1985 كان ما يزيد على ثلث إجمالي سكان العالم النامى يعيشون بأقل من 370 دولار سنويا وارتفع هذا العدد عام 1994م ليصل إلى 3و1ملير نسمة من سكان الدول النامية يعيشون تحت خط الفقر ، كما تباينت الجوانب الأخرى  لنوعية الحياة فى الدول النامية بصورة مثيرة للقلق ،وهو ما دلت عليه المؤشرات الإحصائية المختلفة .   وقبل منتصف هذا القرن عام 1948 صدر الإعلان العالمى لحقوق الإنسان والذي أكد على حق الفرد فى الحياة الكريمة المشتملة على المسكن الصحى والغذاء المناسب والعلاج والتعليم والملبس وغير ذلك من الخدمات الضرورية التى تمكنه من العيش الكريم وتبع هذا الإعلان تقرير الأمم المتحدة عام 1954م الذى أوضح الحاجات الأساسية التى يجب أن توفرها الدولة للمواطن وتشمل :
1)     توفير الرعاية الصحية الشاملة للبيئة والسكن .                    2) الترويح زمن الحريات والحقوق الإنسانية  
3) توفير الطعام المناسب نوعا وكما .         4) توفير التعليم      5) توفير ظروف العمل وتحسينها
وفى عام 1964 قامت منظمة العمل الدولية التابعة للأمم المتحدة بحديد مستويات الحد الأدنى للمعيشة والكيفية التى تتحقق بها تلك المستويات ومن ثم اعتبرت أي جهود لا تعمل على توفير الطعام والمسكن والملبس والصحة والتعليم جهدا لا ترمى إلى التنمية .
فلقد ارتبط مفهوم الفقر بانخفاض الدخل الذى يصعب معه إشباع الحاجات المطلوبة لبقاء الإنسان  وتنميته الأمر الذى يترتب عليه مشاكل عديدة من الناحية الاجتماعية مثل الشعور بالحرمان والعزلة والهوان والضعف وبالتالى تكون حالة الفقر جزءا من الحالة البنائية للمجتمع ويتولد عنها وضع إجتماعى معين . [26] 
  ** ومنذ القرن التاسع عشر بدأت دراسات مستفيضة عن الفقر وقد حاولت هذه الدراسات والأبحاث أن تضع مقياسا محددا يمكن بواسطة قياس الفقر وهناك اتجاهان لدراسة الفقر والفقراء وهما :ـ [27]
** الاتجاه الأول :
ويهتم بدراسة العوامل الاجتماعية والاقتصادية ويحدد مستوى التقدم التقني ويهتم بمتغيرات يمكن قياسها كميا وان تباينت مقاييس هذه المتغيرات من مجتمع إلى آخر وهذا الاتجاه يهتم بالفقر الظاهر ويعتمد على التحليل الكمى للواقع ولكن تنقصه النظرية التى توجهه ويستند إليها فى تحليل ظاهرة الفقر .
** الاتجاه الثانى :
ويعتمد على الرؤية الذاتية للباحث اتجاه الفقراء وعادة ما تحدد هذه الرؤية النظريات التى يعتنقها الباحث وأصحاب هذا الاتجاه يرون أن كون الفرد فقيرا يعد محصلة ظروف حتمية قدرية لا دخل للفرد فيها . 
** وبصفة عامة فإن هناك اتجاهان لتفسير ظاهرة الفقر يمكن توضيحهما كما يلى :ـ
أولا : الطريقة الموضوعية :ـ
فإن التقدير فيها يجرى على أساس مستوى معين من مستويات الدخل أو الإنفاق أو مؤشر أو معدل ما أو ما إليها . باعتبار أنها تمثل الحد الفاصل بين الفقير وغير الفقير ، وهذا هو ما يسمى بخط الفقر من يقع عليه أو تحته فهو فقير ومن يقع فوقه فهو غير فقير .
وحين يكون خط الفقر حدا أدنى للدخل فانه يمثل القدر من المال الذى يلزم لإشباع الحاجات الأساسية من الطعام وغير الطعام للفرد أو الأسرة المعيشية وتبعا له تكون أسرة ما فقيرة إذا كان كل ما تكسبه غير كافى للحصول على ما يلزم لتحقيق الكفاية . ويدخل فى ما يلزم :الطعام والملبس والسكن والتدفئة والإضاءة وأدوات المطبخ والخدمات الأخرى ، مشتراة بالكميات الضرورية لحد الكفاف وبأقل الأسعار .
وفى هذه الحالة يتم تحديد دخل خط الفقر للأسرة على مرحلتين : يجرى فى الأولى تقدير نفقات الغذاء التى تتضمن توفير حاجات الأسرة ( من أربعة أفراد أو خمسة ) من عناصر الغذاء والسعرات الحرارية وغيرها مع مراعاة اختلاف أفراد الأسرة بحسب الجنس والسن وغيرهما .  وفى المرحلة الثانية يتم تقدير نفقات البنود الأخرى من غير الغذاء بنسبة معينه من الإنفاق على الغذاء أو ما يسمى مضاعف انحل ويتكون من مجموعها خط الفقر .
وقد يتحدد خط الفقر على أساس نسبة الإنفاق على الطعام من إجمالي الدخل وفى هذه الحالة فان من ينفق على الطعام ثلث دخله أو يزيد يعد فقيرا أما من ينفق على الطعام اقل من ذلك فانه يعد غير فقير .
ويدخل فى الطرق الموضوعية لتحديد الفقر الاعتماد على واحد أو اكثر من مؤشرات الرفاهية الاجتماعية أو نوعية الحياة مثل :  (1) الحالة الصحية ومدى كفاية الغذاء                     (2) اقتناء السلع المعمرة
و ينطوى تعريف الفقر وقياسه على أساس واحد أو اكثر من مؤشرات الرفاهية الاجتماعية ونوعية الحياة على اوجه قصور عديدة من أهمها أن كثير من الأسر لا تتردد فى تفضيل اقتناء بعض السلع التى قد تعد معمرة ( كالتليفزيون ـ الغسالة ....) على توفير حد الكفاية من الغذاء أي انهم يقتطعون ما يخصص للغذاء لشراء تلك السلع [28].
** بصفة عامة فان العديد من المؤشرات التى تستخدم فى تقييم حالة الإنسان ونوعية حياته فى مجتمعه والتى يتم من خلالها التعرف على حالة وجود الفقر ودرجته وكذلك يتم الاستفادة من هذه المؤشرات من خلال التعرف على مدى ما حققه توظيف الموارد استثمارها من إشباع لاحتياجات الإنسان وحاجاته ومطالبة ، أي التعرف على التوظيف الأمثل للموارد فى تفاعلها وتأثيرها على حالة التنمية البشرية فى جوانبها المادية والاجتماعية والثقافية والمعنوية والروحية .  والاستفادة من هذه المؤشرات فى عملية التقييم قد تكون خطوة تعين على التخطيط فى المدى القريب والمتوسط على الأقل . فمن خلال العلاقة بين استخدام الموارد وما انتهت إليه من مؤشرات فى فترة زمنية سابقة يمكن وضع مؤشرات تخطيطية للتنمية فى فترة زمنية لاحقة مع افتراض ثبات المتغيرات الأخرى أو تطوير تلك المتغيرات .  وقد شرع الباحثون فى عدد من الجامعات ومعاهد البحوث والمنظمات الدولية فى تطوير مقاييس للتنمية بصفة عامة ، والتنمية البشرية بصفة خاصة . وقد اختلف اتجاهاتهم اتجاه هذه المؤشرات وبصفة عامه ففيما يلى سوف نوجز بعض هذه المؤشرات والمقاييس الكلاسيكية والمعارة التى تستخدم فى قياس التنمية :ـ
1)     مؤشر نصيب الفرد من الناتج القومى الإجمالي فى السنة .
2)     مؤشر نصيب الفرد من الاستهلاك
3)     مؤشر الأبعاد التوزيعية للسلع والخدمات
4)     مقياس التلوث فى البيئة
5)     مقياس نوعية الحياة
6)     المقاييس الذاتية لإشباع الحاجات ( والتى تعتمد على تصور الفرد وشعوره بمدى إشباع حاجاته )
7)      مؤشر نسبة الإنفاق على التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية [29]
****************************************
ثانيا : الطريقة الذاتية :
  تعتمد على تحديد حالة الفقر على تقدير الشخص نفسه لحالته . ومن مبررات الاعتماد على هذه الطريقة ان الشخص أدرى من غيره بحالته . وتصوره لحالته وتجربته الشخصية مع الفقر.
أي إنها تعتمد على الرؤية الذاتية للباحث اتجاه الفقراء وعادة ما تحدد هذه الرؤية النظريات التى يعتنقها الباحث وأصحاب هذا الاتجاه يرون أن كون الفرد فقيرا يعد محصلة ظروف حتمية قدرية لا دخل للفرد فيها . 
** ولكن من العيوب فى هذه الطريقة اختلاف النقطة المرجعية أو المعيار فى تحديد الفقر من شخص إلى لآخر وتأثر التقدير بإعتبارات ذاتية كثيرة . وغالبا ما يكون مستوى الفقر الذى يتحدد بهذه الطريق مرتفعا .  لذلك فإنه من الصعب أن يكون التقدير الذاتى دقيقا أو يصلح للمقارنة أو التعميم . وفضلا عن هذا فإن الإعتماد على هذه الطريقة يتطلب توافر تقارير ذاتية ، أي من الأشخاص أنفسهم الذين تجرى دراسة أوضاعهم ، وحين يشكل هؤلاء مجموعات كبيرة ، أو فئات سكانية ضخمة ، يكون التنفيذ بالغ الصعوبة كبير التكلفة ، ولهذا فإن طريقة التقدير الذاتى لحالة الفقر محدودة الاستخدام .[30]
ويمكن توضيح بعض المداخل المفسرة لظاهرة الفقر والتى تقع فى إطار الرؤية الذاتية للباحث اتجاه الفقراء والتى تحددها النظريات التى يعتنقها الباحث ومن أهم هذه المداخل ما يلى :ـ [31]
1)      مدخل إعادة إنتاج الفقر :ـ
ينطلق هذا المدخل من توجهات الباحث المنطلقة من الاتجاه المحافظ أو المثالى ولعل ابرز ما فى هذا الاتجاه يتمثل فى ما يطلق بثقافة الفقر . ورغم أن هذا المفهوم ليس جديدا فى الفكر السوسيولوجى إلا انه ارتبط بتلك الدراسة التى قام بها " أوسكار لويس " عام 1959م عن خمسة اسر فقيرة فى المكسيك وطورها فى دراسته للفقراء فى المناطق المتخلفة فى " بورتوريكو " والتى نشرت عام 1966م تحت عنوان "A puertorican family in the culture of poverty  وفيها يعالج لويس قضية الفقر من خلال سمات الفقراء أنفسهم بل اعتبر ان الفقر يخلق نوعا معينا من الثقافة يطلق عليها ثقافة الفقر ، ترتبط بأسلوب الحياة ونمط معيشة الفقراء ويرجع عوامل الفقر إلى عوامل فكرية ذاتية يتسم بها الفقراء أنفسهم حيث يتسمون بخصائص العزلة وعدم الرغبة فى المشاركة فى الحياة العامة والشعور بالدونية واللامبالاة وعدم القدرة على تنظيم أسلوب حياتهم ويتولد لديهم شعور بالقدرية وعدم احترام الذات ، وهكذا يرى " أوسكار لويس " ان ثقافة الفقر تتواصل بين الأجيال من خلال إعادة إنتاج الفقر .
وعلى الرغم من ان هذا الاتجاه وبخاصة عند أوسكار لويس قدم توصيفا واقعيا لنمط حياة بعض الفقراء حين تعرض إلى بعض الجوانب الموضوعية مثل قلة الدخل وتخلف المكان ( البيئة )  وسوء أحوال الخدمات التى تقدم لهم وغياب عائل الأسرة الفقيرة فى معظم الأحوال ( وتأنيث الأسرة الفقيرة ) إلا ان ذلك لا يمثل من وجهة نظرة العوامل الأساسية فى تشكيل أبعاد الفقر الذى يعيش فى ظله الفقر وبعبارة أخرى يؤكد أوسكار لويس على ان العوامل الحاسمة فى خلق ظاهرة الفقر ترجع بالدرجة الأولى إلى تلك الخصائص الذاتية التى يتسم بها الفقراء أنفسهم ولذلك تخلق ثقافة الفقر التى يعمل الفقراء على استمرارها وتواصلها بين الأجيال ومن ثم لا يسطتعون الهروب من مصيدة الفقر .
ولقد وجه إلى هذا المدخل وتعرض مفهوم ثقافة الفقر إلى انتقادات عديدة من حيث تحيزه إلى الطبقات الوسطى فى التفسير ومن حيث تناوله الضيق لمفهوم الثقافة باعتباره فقط أسلوب للحياة وإغفاله للأبعاد المادية والمجتمعية ودورها فى انتشار ظاهرة الفقر فى المجتمعات البشرية بل أيضا من حيث منهجه الذاتى فى ملاحظة الظاهرة وتحليلها وتعميم نتائج دراسته على كل فقراء الحضر فى العالم الثالث والولايات المتحدة الأمريكية .
2)      مدخل التخفيف من حدة الفقر ( إسيراتيجيات التعايش )
نظرا للانتقادات التى قدمها بعض العلماء إلى مدخل ثقافة الفقر حاول بعض الدارسين دراسة العلاقة بين الفقر والبيئة وتوصلوا إلى أن الفقير هو ضحية البيئة التى يعيش فيها وفى محاولتهم تفسير العلاقة انطلقوا من الإطار الثقافى الذى يسهم فى قدرة الفقراء على التعامل مع بيئتهم ، وبعبارة أخرى يرى أصحاب هذا المدخل أن الفقراء فى محاولتهم سد حاجاتهم والقدرة على البقاء والاستمرار ليس أمامهم إلا اللجوء إلى ثقافتهم النوعية التى يتميزون بها مسلحين ببعض القيم وبعناصر ثقافية يملكون القدرة على تطويعها لصالحهم فى سبيل التكيف مع أوضاع الفقر حيث يخترعون سبلا متعددة للحفاظ على البقاء والاستمرار أو تدعيم البنية التقليدية المعبرة عن ثقافة الفقراء .
وعلى الرغم من أن هذا المدخل يبحث فى قدرة الفقراء على التخفيف من حدة الفقر من خلال بدائل ثقافية تفرزها الفقراء فى محاولة للبقاء والمحافظة على حياتهم إلا انه لا يختلف كثيرا عن المدخل السابق أي عن مدخل ثقافة الفقر ، فالمنطق الثقافى هو الإطار الحاكم سواء فى محاولة الفقراء ترسيخ ثقافة الفقر من جيل إلى جيل أو من حيث محاولتهم التكيف مع الفقر من خلال ثقافة الفقر أيضا وإذا كان هذا المدخل تخطى الأسلوب الذاتى فى تفسير الفقر بإقترابه من البيئة لتفسير سلوكيات الفقراء إلا أن مفهوم البيئة لا يعنى من وجهة نظر أصحاب ، الظروف الموضوعية للتفاوت المعيشي الذى يشكل عوامل انتشار الفقر بل هو يعنى البيئة الثقافية إي بيئة الفقراء ولا يختلف هذا المدخل كثيرا عما قدمه لنا بعض الباحثين من أصحاب الاتجاه البنائى الوظيفى مثل " روبرت ميرتون " فى كتابة النظرية الاجتماعية والبناء الإجتماعى عندما قدم لنا تصنيف لأنماط التكيف الوظيفى ولا وظيفى .
وترجع أهمية هذا المخل إلى انه قدم لنا منهجيه جديده فى دراسة ظاهرة الفقر فى المجتمعات البشرية من منظور ثقافى اعتمد على المنهج الانثربولوجى الذى يبحث فى الواقع عن قيم الفقراء البدائل التى يطرحونها فى محاولة للمحافظة على البقاء وأنماط سلوكياتهم وثقافاتهم وطموحاتهم إلا ان هذا المدخل رغم أهميته الامبيريقية لا يسمح لنا للإجابة على السؤال التالى لماذا لا يستطيع الفقراء الخروج من مصيدة الحرمان وما السبب الحقيقى فى تدنى أحوالهم فى تلك المجتمعات المتقدمة التى وصلت إلى ما  يسمى بمرحلة ما  بعد الحداثة ؟ ولماذا هم فقراء ؟ وما العوامل المؤدية إلى تزايد حدة الفقر فى العالم ؟ وما السبب فى تهميش أجزاء من العالم ؟ وهل فقراء العالم المتقدم يختلفون عن فقراء العالم الثالث ؟ وهل يمكن بالفعل الهروب من مصيدة الفقر ؟   
********************************

      (2) أسباب الفقـــــــــــر:ـ    

** هناك من يقسم مسببات الفقر إلى مجموعتين من العوامل يمكن تمييزهما كما يلى :
الأولى : هى العوامل الداخلية وتشتمل تلك العوامل على الظروف الجغرافية والقيم الاجتماعية وكثافة السكان وتوزيعهم والسياسات الحكومية.
الثانية : هى العوامل الخارجية وتشتمل على ظروف التجارة والمنح والمساعدات الخارجية والديون الخارجية . [32]
** وهناك من يرى أيضا أن مسببات الفقر ترجع إلى :ـ [33]
(1)    الأسباب الخارجية للفقر :
أ‌)        عدم الكفاية فى الإنتاج وموارده
ب‌)    سوء النظام الصناعى بالدولة
ت‌)    سوء توزيع الملكية
ث‌)    الحروب
ج‌)     الازدحام السكانى
(2)    الأسباب الذاتية أو الشخصية :ـ
أ‌)        عدم الكفاية الشخصية
ب‌)    المرض
ت‌)    العادات غير الاجتماعية
ث‌)    سوء التدبير  
***************************************

       المنظور الإسلامي للفقر[34]

يعتبر الإسلام الفقر عقبة فى الحياة يجب إزالتها والقضاء عليها قضاءا مبرما . وقد تعددت طرق محاربة الإسلام للفقر نظريا وعمليا وإجتماعيا ومعنويا . وتتمثل محاربة الإسلام عمليا للفقر فى إيجابة العمل علينا حيث يقول الله تعالى : " فامشوا فى مناكبها وكلوا من رزقه " . كما تتمثل محاربة الإسلام للفقر اجتماعيا فى فرض الزكاة على المسلمين وأمرهم بالصدقة ، وفى ذلك قوله تعالى " خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها "
1)     محاربة الإسلام للفقر عمليا :
يعتبر العمل دعامة هامة من دعائم النظام الاقتصادى فى الإسلام الذى يحرم البطالة ويحتقر صاحبها ، ويفرض العمل على كل فرد فى المجتمع تحريا له من شتى ألوان الاستغلال ويرى انه مصدر كل الثروات وأساس قيم الأشياء .
وقد ورد لفظ العمل فى القرآن ما بين اسم وفعل فى ثلاثمائة وخمسون موضوعا ويتمثل جوهر الوجود الإنساني فى العمل والسعى والجهاد ويكرر القرآن الكريم أن افضل وجوه الكسب هو عمل الرجل بيده .
كما يعتبر العمل فى الإسلام مصدرا أساسيا لكسب المعاش وانتقال الثروة من الطبيعة إلى الإنسان ومن المجتمع للفرد ، وهنا تظهر لنا الحكمة التى انطوى عليها القرآن فى رابطة القيمة قيمة أي إنسان بالعمل فقيمة أي إنسان بما يعمله ، أن العمل هو بحق اساس كل قيمة معنوية بالنسبة للإنسان أو بالنسبة للأشياء .
والإسلام هو بذلك العدو الأكبر  للإتكالية التى تشيع السلبية فى الإرادة وتؤكد جمود المادة وتركها على ما هى عليه ، كما انه دعي إلى محاربة الخمول والسلبية .
2)     محاربة الإسلام للفقر اجتماعيا :
تهدف تعاليم الإسلام إلى تحقيق العدالة الاجتماعية ، وهى التى تنظم التكافل الإجتماعى وتوفر الرفاهية والسعادة لجميع الأفراد ، وهو فى سبيل ذلك فرض الزكاة وذلك لتحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية وتدعيم التضامن والتكافل الإجتماعى .  والزكاة فريضة إلزامية واجبة على الغنى وهى ليست عطاء أو إحسان أو إذلالا للفقير بل هى حق إجتماعى له . وتقوم الدولة بجمعها وتوزيعها على فئات وطوائف محددة تحديدا دقيقا ، شأنها فى ذلك شأن الضرائب التى تتولى الدولة مهمة القيام بتحصيلها من المواطنين مصداقا لقولة تعالى : " وفى أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم " .  وقد ذكر القرآن المصارف التى تصرف فيها الزكاة والمستحقين لها ، وبين مقاديرها وفق نظام واضح دقيق . فيقول تعالى [ إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفى الرقاب والغارمين وفى سبيل الله وابن السبيل ] والإسلام بذلك قد وضع نظاما للضمان الإجتماعى على أوسع نطاق عندما أوجب أن توجه اوجه أنفاق الزكاة من اجل الفئات التالية :
1)     المساكين والفقراء والعجزة .      2) مساعدة المسلم الذى دخل فى دين الإسلام     3) مساعدة المحتاجين 
4) مساعدة المدين على سداد دينه     5) إعتاق العبيد                                         6) مساعدة أبناء السبيل
7) الإنفاق فى سبيل الله                  8) دفع مرتبات جباة الزكاة
وعلى ذلك فإن الزكاة تمثل راس العبادات المالية ، وفيها يرتبط العمل الروحي التعبدي بالعمل المادى الاقتصادى . فهى :
1)     تزكى نفوس الأغنياء وتطهرها من الذنوب والبخل والشح .
2)  تساعد على توزيع الثروة فى ثنايا المجتمع وتحول دون تكدسها فى أيد قليلة وما يلازم هذا التكدس من مساوئ خطيرة اقتصادية واجتماعية .
ويعنى هذا أن الزكاة تشمل النواحي الأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية " فمن الناحية الأخلاقية تخلص الزكاة النفس من الجشع والتلهف على الثروة . ومن الناحية الاجتماعية تمثل الزكاة الإجراء الوحيد الذى جاء به الإسلام للتخلص من الفقر فى المجتمع بأن يضع الأغنياء أمام مسئولياتهم الاجتماعية . أما الناحية الاقتصادية فإن الزكاة تحول دون تراكم الثروة وتركزها فى أيدي قلة من الأفراد لأنها تعتبر بمثابة ضريبة إجبارية يجب أن يدفعها المسلمون لخزينة الدولة ليتم توزيعها وفقا لتعاليم الإسلام .

*********************************************************************************
                                                    * المبحث الثانى
                                        ( التنمية المتواصلة والفقر والبيئة )
        أولا: العلاقة بين البيئة والفقـــــــــر:ـ
(1)    البيئة والفقر ( علاقة التأثير المتبادلة )
فى الماضى القريب كان هناك ميل إلى النظر إلى سياسات التنمية باعتبارها السياسات التى تنهض بالنمو فى النشاط البشرى فى حين ينظر إلى السياسات البيئية باعتبارها السياسات التى تجهد فى تقييد ذلك النشاط أما فى السنوات القليلة الماضية فقد أحلت فكرة البيئة كقيد مكانها للقبول فكرة البيئة كشريك وذلك بعد إن اصبح مصطلح التنمية المستدامة شائع الاستخدام على يد اللجنة العالمية المعنية بالبيئة والتنمية فى عام 1987م  إذ دعت اللجنة إلى التنمية التى تلبى احتياجات الجيل الحاضر دون إن تغرض للخطر احتياجات أجيال المستقبل فقد أكدت اللجنة على الحاجة إلى معالجة الاحتياجات الإنمائية والبيئية فى وقت واحد واعتبارا من ذلك الحين بات وضعوا سياسات التنمية يعترفون بان التقصير فى اخذ تكاليف الضرر البيئى بعين الاعتبار لن يكون مجديا وانه فى كثير من الحالات لن ينجح فى زيادة الدخل والرفاهية وكذلك يدرك المدافعون عن البيئة إن العلاج لمشكلات كثيرة هو نمو أسرع ولا أبطأ إلى جانب الأخذ بسياسات بيئية سليمة .
إن التنمية الاقتصادية والإدارة البيئية السليمة جانبان متكاملان  فبدون حماية بيئية ملائمة ستنهار التنمية وبدون تنمية ستفشل حماية البيئة وهناك اليوم اكثر من مليار نسمة يعيشون فى فقر مدقع وسيشهد الجيل المقبل ارتفاع فى عدد سكان العالم بمقدار 7و3 مليار نسمة حتى ولو تسارعت خطى التقدم فى تخفيف النمو السكانى وسيولد معظم هؤلاء لعائلات فقيرة فالتخفيف من حدة الفقر ليس حتمية أخلاقية فحسب بل هو ضرورة أيضا لاستدامة البيئة .
والنمو الاقتصادى ضروى للإقلال من الفقر على نحو مستدام لكن النمو كثيرا ما تسبب فى تدمير خطير للبيئة ولحسن الحظ فان مثل هذه الآثار المعاكسة يمكن إنقاصها بصورة حادة فى ظل سياسات ومؤسسات كفؤه سيوفر نمو الدخل الموارد اللازمة لإدارة محسنة للبيئة وليس هناك ما يدعوا إلى إعادة الأخطاء البيئية الماضية وأمام البلدان الآن اختيارات أوسع ففى وسعها إن تختار سياسات واستثمارات تشجع على الاستخدام الأكثر كفاءة للموارد وعلى القيام بعمليات الإحلال بمنأى عن الموارد الشحيحة وعلى تبنى تكنولوجيات وممارسات اقل ضررا بالبيئة وستكفل هذه التغيرات إن تكون التحسينات التى تجنبها التنمية للرفاهية البشرية تحسينات دائمة .[35]
ومازال عدد الفقراء المعدمين أعلى اليوم مما كان عليه فى أي وقت مضى فهناك اكثر من مليار نسمة يعيشون فى فقر مدقع ويعانون من قصور جسيم فى الحصول على الموارد اللازمة لمنحهم فرصة فى حياة افضل وللانقضاض على هذه المشكلة فلابد إن يبذل رجال السياسة جهدهم لتغيير هذا الوضع فانهم يواجهون صعابا تتزايد باستمرار فعلى مدى 40 عام القادمة سينمو عدد سكان العالم بمعدل 7و3 مليار نسمة وهى زيادة اكبر بكثير منها فى أي جيل مضى وسيكون نصيب البلدان النامية بما يعادل 90% مما يدفع بالكثافة السكانية فى أماكن كثيرة إلى أقصى مداها وسيزيد الاستهلاك العالمي للطاقة . 
والشكل التالى يوضح كيف إن زيادة النشاط الاقتصادى يمكن إن يتسبب فى مشكلات بيئية . وتبرز أربعة أنماط بيئية هى :ـ                                                                                                                           نسبة مئوية من السكان
1 ) بعض المشكلات البيئية تنقص مع زيادة الدخل ، وســــــبب ذلك
إن زيادة الدخل تهيئ للمجتمع الموارد اللازمة لتوفير السلع العامـــة
مثل خدمات الصرف الحى والكهرباء فى الريف ، فعندما يكــــــــف
الأفراد عن إن يعولوا هم البقاء على قيد الحياة من يوم إلى يــــــوم ،     دخل الفرد بالدولار
يمكنهم تكريس الموارد لاستثمارات مربحة فى أغراض صون البيئة .         100000       10000       1000                  
                                                                                                                    انحدار الصرف الصحى فى المناطق الحضرية                                                                                                              
2 ) وبعض المشكلات تتدهور فى بادئ الأمر ولكنها تتحسن بعد ذلك مع
 ارتفاع الدخل ويندرج تحت هذه الفئة معظم أشكال تلوث الهواء والمـــــاء
 كما يندرج فى بعض عمليات تدمير الغابات .  وليس فى هذا التحسين مــا
هو تلقائي ولا يتحقق ذلك ألا عندما تأخذ البلدان بسياسات تسمح بزيادة الدخل
 والتقدم التقني فى التصدى للمشكلات البيئية . 
                                                                         دخل الفرد بالدولار                                        
                                                                                                                   100000     10000     1000      100
                                                                                                        متوسط المستوى السائد لثانى اكسيد الكربون
3 )  بعض المشكلات الاخرى تظل تنمو مع زيادة الدخـــــل                                                      طن مترى
( مثل انبعاث اكاسيد الكربون والتنروجين ) وهنا تكــــــــون                                                                   
تكاليف الحد من التلوث مرتفعة نسبيا ، واحيانا يتحملها الغير . 



                                                                                          دخل الفرد بالدولار                                        
                                                                                                              100000  10000     1000  100
                                                                                                           متوسط  دخل الفرد من انبعاث الكربون
4 ) من الشكل التالى يتضح لنا ان التقدم التقنى والوعى البيئــــى
خلال فترة السبعينات والثمانيات ادى الى انخفاض انبعاث السناج
والدخان وذلك عند ارتفاع الدخل خلال هذه الفترة . 



                                                                                 دخل الفرد بالدولار                                        
                                                                                                   100000      10000      1000     100
                                                         اثر التغير التقنى والوعى البيئى على انخفاض السناج والدخان ( خلال السبعيينات والثمانينات )
** ان التغلب على الفقر هو امر شاق فى حد ذاته وأكثر صعوبة فى مواجهة القيود البيئية التى تزداد وضوحا وبذلك يصبح السؤال الحاسم الذى يواجه واضعى السياسات هو ما اذا كان من الممكن  تخفيف الجوانب البيئية للفقر عن طريق تعديل المناهج الحالية ام ان هناك حاجة الى استراتيجية جديدة بالكامل . وللوصول الى الاجابة على هذا السؤال فلابد من التعرف على التأثير المتبادل بين الفقر والتدهور البيئى كما يلى :ـ [36]
** تأثير البيئة على الفقر :
(1) المزيد من المشاكل الصحية :
فالفقراء هم اشد الناس تعرضا للمخاطر من حيث تعرضهم لانواع معينة من التلوث مثل المياه غير الصالحة للشرب التى تحمل امراض معدية وطفيلية كما انهم ( ولاسيما النساء والاطفال ) يقاسون اكثر من غيرهم من تلوث الهواء داخل المبانى الذى ينجم عن احتراق وقود غير نظيف ولكنه رخيص السعر وعلى سبيل المثال ادى الدخان فى المطابخ المنزلية بالمناطق الريفية فى ناميبيا والهند ونيبال الى تعلق تركيزات من المواد الجزيئة بشكل يتجاوز الحدود القصوى التى حددتها منظمة الصحة العالمية بمقدار اربع الى خمس مرات .
(2) انتاجية اقل :ـ
يؤدى التدهور البيئى الى انقاص دخل الفقراء ، بسبب تحويل وقت اكبر الى القيام بالمهام المنزلية الروتينية مثل جمع خشب الوقود ، وكذلك بسبب انخفاض انتاجية الموارد الطبيعية الى غالبا ما ينتزع منها الفقراء رزقهم .[37]
         
 ** تأثير الفقر على البيئة :.
(1) تضيق الافاق الزمنية :
ان اشد الناس فقرا هم الذين يكافحون عند حافة  مستويات الكفاف من الاستهلاك وينشغلون بالكفاح من اجل البقاء. يوما بيوم ويتوافر لهم غير نطاق محدود للتخطيط مقدما للقيام باستثمار الموارد الطبيعية ( مثل صيانة التربة الزراعية) والذى لايعطى عائدا ايجابيا الابعد مضى عدد غير قليل من السنوات
(2) تقييد استراتيجيات المخاطر :
يتاثر استغلال الفقراء للموادر الطبيعية بمواجهتم لمخاطر اكبر مع توافر وسائل اقل للتصدى لها وهذه المخاطر تنتج من تتخلات السياسات الخاطئة فى اسواق المدخلات والمخرجات الى تطوير انظمة الحيازة الزراعية التى تجامل من لديهم سلطة سياسية اكبر ولايتاح للفقراء من الوسائل التقليدية لمواجهة الازامات لبيع المحاصيل والسلع المخزونة او هجرة افراد الاسرة وزيادة اجور العمال او الاقتراض من اجل الاستهلاك او الاستعانة بتقاليد المساعدة المتباينة او التفاهم بين صاحب المؤسسة والعميل او انها بدأت تضعف كتقاليد واعراف اجتماعية . وهذا يعنى لن يكون لديها من خيار سوى الافراط فى استغلال اية موارد طبيعية متاحه وعلاوة على ذلك يكون الفقراء محرومين عادة من فرصة الحصول على الائتمان من الاسواق الرسمية والتامين على المحاصيل والمعلومات التى تقدم المشورة لتقليل مخاطر الممارسات الزراعية.
** فلما كان وضعوا السياسات يبحثون عن طريق لتعزيز التنمية المتواصلة بيئيا قد بات واضحا بصورة متزايدة ان هناك استراتيجيات معينه تحقق الكسب للجميع وينبغى استخدامها لعكس اتجاه الحلقة المفرغة للفقر المتفاقم وتدهور الموارد البيئية .            وتشمل هذه الاستراتيجيات :ـ
1)     التعجيل بالحد من الفقر
2)     التقليل من مخاطر عدم استقرار الحيازة
3)     معالجة سوء التوزيع
4)     تدعيم برامج التعليم والصحة العامة   [38]
                                        *********************************
      (2) العلاقة بين السكان والفقر
 يعتبر الانسان هو المحرك الاساسى للنشاط الاقتصادى الذى يبدا بعملية الانتاج وينتهى بعملية الاستهلاك فالانسان هو الغاية وهو الوسيلة  ، هوالغاية التى نسعى جميعا الى الوفاء باحتياجاتها وتوفير الرخاء لها وهو الوسيلة التى تعتمد عليها التنمية وتقاس ثروات الامم بمقدار ماتملكه من موارد اقتصادية ومدى قدرتها على استغلالها وتنميتها فالانسان هو مصدر الفكر ومصدر العمل والمنظم لاستخدام كافة الموارد المتاحة ومن هنا وجوب على الدول ان تهتم ببناء الانسان مثل بناء المصانع .... بناء الانسان الواعى ذو السلوك السوى القادر على العطاء من خلال مقوماته الاجتماعية والعلمية والثقافية والصحية . ويتوقف حجم ونمط الاستهلاك على المستوى الثقافى والحضارى والاجتماعى السائد فى المجتمعات فكلما زاد دخل الاسرة او الفرد انخفضت نسبة المنفق على الاغراض غير البيولوجية كالتعليم والسلع الاستهلاكيه المعمرة ووسائل الرفاهية المختلفة . ويقترن عادة بتغير مستوى الدخل الحضارى والاجتماعى .[39]   ولذلك فان اى تنمية فان هدفها تحسين نوعية الحياة فنوعية الحياه الافضل ولاسيما فى بلدان العالم الفقير تتطلب تحقيق دخل اعلى ولكنها تنطوى على ماهو اكثر بكثير من ذلك تشمل على نوع افضل من التعليم ومستويات اعلى ومتويات اعلى من الصحة والتغذية وفقر اقل وبيئة اوفرنظافة ومساواة اكبر فى الفرص المتاحة وحرحات فردية اكبر اكبر ، وحياة ثقافة اكثر ثراء وبصفة عامه فان ذلك لن يتحقق فى ظل هذه الزيادة السريعة فى اعداد سكان العالم[40] 
فقد شهدت المناطق المتخلفة فى العالم نموا كبيرا فى عدد السكان خلال القرن التاسع عشر وزادت حدته فى النصف الاول من القرن العشرين دون ان يقترن ذلك بزيادة مساوية فى حجم الموارد الطبيعية المتاحة او كفاية استخدامها لاسيما تلك الموارد الرئيسية المستمدة من الزراعة مماجعل كثيرا من البلدان المتخلفة التى كانت تصدر المواد الغذائية فى الماضى وتستورد المواد الغذائية من الدول الغنية ذات الفائض فى المواد الغذائية بل اصبح الغذاء سلاح استراتيجى وواسيلة للضغط على هذه الدول كما ان التصنيع فى الدول النامية لم يعوضها عن قصور مواردها الطبيعية المتاحة او المستغلة عن مسايرة الزيادة المطردة فى عدد السكان وتتمثل مظاهلر مشكلة الانفجار السكانى فى البلدان المتخلفة فى ازدياد معدلات النمو السكانى مع قصور الموارد المادية عن مسايرة الزيادة السكانية متمثلة فى ارتفاع معدلات النمو السكانى الناتج عن ارتفاع معدل المواليد وانخفاض معدل الوفيات . [41]
** فلقد أشعل الانخفاض فى معدلات الوفيات من نحو 30 فى الألف فى 1945م إلى ما يقرب من 10 فى الألف فى 1988م وهو انخفاض تجاوزت أهميته أهمية النقص فى معدلات الخصوبة خلال تلك الفترة نموا سكانيا سريعا فى العالم النامى فقد تضاعف سكان العالم منذ 1950 وزادت نسبة سكان العالم الذين يعيشون فى اشد المناطق النامية فقرا من الثلثين فى 1950 إلى ثلاثة أخماس فى 1985 وزاد معدل نمو السكان المتوسط فى المناطق النامية إلى اكثر من 2فى المائة فى الفترة 1950ـ 1975 .   
** وكان النمو السريع للسكان سببا فى مخاوف جدية بشان توقعات النمو الاقتصادى والتنمية البشرية والبيئية فى البلدان النامية ورغم إن النمو السكانى ليس خطرا يهدد كل بلد فانه مسألة حاسمة بالنسبة لكثير من البلدان النامية إذ يلاحظ مثلا فى بعض البلدان إن ارتفاع معدلات الخصوبة والفقر يشكلان معا حلقة مفرغة تهدد رفاهية السكان أو حتى بقاؤهم على قيد الحياة ولاسيما الأطفال فمن خلال سوء التغذية والأمراض يؤدى الفقر إلى المزيد من وفيات الرضع والأطفال مما يدفع الأزواج بدورهم إلى إنجاب المزيد من الأطفال لضمان بقاء بعضهم وقد تبين فى الوقت ذاته إن ارتفاع معدلات المواليد يرتبط  بارتفاع  معدلات  وفيات الأطفال والأمهات  ورغم إن معدلات الوفاة مازالت تختلف اختلافا كبيرا بين البلدان فان الاختلافات فى نمو السكان تنبع أساسا من الاختلاف فى معدلات الخصوبة .
** وتأثير النمو السكانى على البيئة الطبيعية مصدر آخر للاختلاف بين التكاليف الفردية والاجتماعية فالضغط السكانى يمكن إن يزيد من الطلب على المنتجات الزراعية مما يفضى بدورة إلى سوء استخدام الأراضي الحدية وغيرها من الموارد الطبيعية ز وربما كذلك يؤدى النمو السكانى إلى تفاقم  أشكال الفشل السوقية الأخرى بالإضافة إلى استنزاف الموارد والتكدس فى المدن مثال لذلك .[42]
** وبصفة عامة فالقضاء على الفقر يتطلب رفع نصيب الشرائح السكانية التى تعيش دون ما يعرف بخط الفقر وقد يكون هذا ممكنا من خلال اعادة توزيع الدخل ومن المتوقع ان يكون الحل الارجح الاستمرار فى رفع مستوى الدخل الى الحد الذى يرفع نصيب الشرائح الدنيا الى المستوى القادر على تلبية احتياجاتهم الضرورية وهو مايعنى الحاجة الى توسيع الاقفتصاد العالمى بما يعادل من خمسة الى عشرة امثال حجمه الحالى الامر الذى يقود الى انهيار النسق البيئى .
** ولقد تعرض مؤتمر السكان الذى عقد بالقاهرة عام 1994م الى بعض القضايا المرتبطة بالسكان والتنمية والتى يمكن تلخيصها فى المعادلة الصعبة التى يمثلها الشكل التالى والذى يتضح منه مدى الارتباط بين مشكلات النمو السكانى والتلوث البيئى والبطالة والعنف والفقر والجهل والمرض وبالتالى تدهور الثروات البشرية .
الانفجار السكانى


 

          انتشـــار البطالـــة                                               تنمية اقتصادية على حساب البيئة



ظهور
بعض اشكال
العنف



انتشار الفقر                                                    تدهور تلوث البيئة



انتشار الجهل
باشكاله المختلفة


 

                            انخفاض مقدرة الحصول على                                    انخفاض المقدرة على تقديم الخدمات
الخدمات الاساسية                                                   الاساسيـــــــــــة








تدهور
الثروات البشرية

** ومما سبق يتضح لنا إن ظاهرة السكان تتصل اتصالا وثيقا بالعديد من الجوانب الاقتصادية فعدم التوازن بين الأعداد المتزايدة للسكان وبين الموارد الاقتصادية المتاحة يؤثر على مستوى دخل الفرد وعلى مستوى معيشته كما يؤثر على مستوى الادخار والاستثمار وبالتالى على مستوى التنمية الاقتصادية وقد يترتب على ذلك ظهور أنواع من البطالة ومشاكل العجز الغذائى وتنعكس هذه الإختلالات الاقتصادية على العلاقات الاقتصادية فى العالم الخارجى حيث تتزايد الواردات عن الصادرات فتزداد حدة العجز بميزان المدفوعات والديون الخارجية . .[43]
                                      **********************************
        (3) الإسكان العشوائى وأحزمة الفقر     

 إن المشكلات الناجمة عن التحضر السريع تختلف فى الدول المتقدمة عنها فى الدول النامية فهى فى الدول المتقدمة تمثل ظرفا سابقا ونتيجة لإرتفاع مستوى المعيشة اما فى الدول النامية لايشير التركيز السكانى الحضرى الى سيطرة واضحة للانسان على الطبيعة بل انه يمثل نتيجه اساسية للهجرة العشوائية والتى ترتبط بظاهرة التضخم الحضرى من خلال الزيادة المطردة فى حجم السكان مما ادى الى عدم وفاء الوحدات السكنية الماحه باحتياجات الافراد بسبب اعدادهم المتزايدة وطلباتهم المتطورة . اضافة الى تزايد معدلات الهجرة الداخلية من الريف الى الحضر مما ادى الى تزايد الطلب على مساكن جديدة للوافدين الجدد مما ادى الى وجود عجز فى توفير مساكن كافية للسكان مما ادى الى استيطان السكان فى بعض المناطق الخارجة عن كردون المدينة ومع هذا التوسع العمرانى تبدا كارثة العمران العشوائى وغيره من أنماط الاسكان الرث ومظاهر التحضر الحدى . ويلاحظ على هذه الانماط  من الاسكان خلوها من المرافق والخدمات العامه مثل شبكات المياه والكهرابلء والصرف الصحى والخدمات الأساسية مثل العلاج والتغذيه والترويح وبالتالى يعتمد سكان هذه المناطق على انفسهم لتاسيس بدئل رديئه ومتدنبه للبناء التحتى والخدمات الاساسية التى يحتاجونها فى حياتهم اليوميه مما يجعلها غير قادرة على اشباع الحاجات الاساسية لهؤلاء السكان .  والواقع ان المناطق العشوائية ماهى الامناطق متخلفة ويطلق عليعها بعض علماء الأنثروبولوجيا " مصيدة الفقر والحرمان " اواحزمة البؤس حيث يسودها عدم التنظيم الاجتماعى ، فهى حضانات لجميع انواع الامراض الاجتماعية من فقر واغتراب وجرائم وعدم تكيف . ويسكنها المهاجرون من المناطق الريفية والذين يتسمون بالامية والبطالة وءدم القدرة على الاندماج فى حياة المدينة. كما تتسم هذه المناطق بعدم وجود التماسك الاجتماعى اوالتعاون بين أفرادها . وتوصف سكان هذه المناطق بالجماعات الهامشية [44] .
ومن مظاهر المشكلة الإسكانية فى هذه المناطق :ـ
(1)  النوم على الأرصفة :ـ  يلجأ الإنسان إلى إفتراش الرصيف عندما لايجد مأوى أو بسسب عدم وجود دخل لديه ويستمر الإنسان فى هذا الوضع طالما سمحت له السلطات بذلك. وظاهرة افتراش الرصيف أصبحت عامة ، ففى الهند مثلا هناك نحو 600 ألف إنسان يفترشون الأرصفة . فالمشكلة إذن ليست فى نفقات الإقامة بل المأوى الرخيص اصبح أمر غير متوافر مما حمل العديد من الناس إلى بناء أكواخ من الخشب أو الصفيح مما أدى إلى تغير نمط البيئة وتلوثها .
(2)  أنواع الأحياء الفقيرة :ـ  تتسم الأحياء الفقيرة فى أية مدينة بوجود الأكواخ والمنازل المهدمة ومعظم مساكنها تتسم بطابع الفقر وهى أما " مأوى " لعائلة واحدة أو يحتوى المأوى على العديد من الأسر وبعضها يتكون من دور واحد والبعض الآخر يتكون من عدة أدوار . وتوجد هذه المأوى فى كثير من الأماكن سواء فى المستنقعات أو فى سفوح الجبال أو فى المقابر أو بالقرب من مداخل المدن . ولا يعنى الحياة فى الأحياء الفقير التشرد بل إن وجودها يعنى عجز الحكومات عن إنشاء مساكن ملائمة للفئات التى لا تستطيع دفع أجور المساكن الجديدة ، فالأحياء الفقيرة هى المأوى الذى يوفره المجتمع لفئاته الغير قادرة على مواجهة ظروف الحياة الحديثة . ويغلب على الحياة فى هذه الأحياء الفقيرة عدم وجود الصرف الصحى ، ولا مياه نقية للشرب . ولاشك إن ذلك يعرض الإنسان السليم للكثير من الأمراض ، ويعتبر هذا الوضع الغير صحى أمر عاديا فى الأحياء الفقيرة ، ففى لاجوس بنيجريا مثلا وجد إن 85% من بين 579و4 تلميذا مصابون بالأمراض . وفى عام 1960 كان 5و45 % من مجموع الوفيات فى العاصمة النيجيرية من الأطفال الذين تقل أعمارهم عن خمسة أعوام .
(3)  اكتظاظ الأحياء الفقيرة بالإسكان :ـ إن مأساة الأحياء الفقيرة ليست فقط فى نوعية المساكن أو فى الوضع الغير صحى والقذارة والظلمة وإنعدام الصيانة بل أيضا فى اكتظاظ المساكن الموجود بهذه الأحياء بالسكان أي إن كل مسكن فى هذه الأحياء اصبح مأوى للعديد من السكان وهذا بلا شك تؤدى إلى فقدان الخصوصية للشخصية ويعرض الإنسان لكثير من الأمراض . ويعرض الروابط الاجتماعية لكثير من المشاكل .فالغرفة الواحدة مساحتها (150 قدما مربعا ) فى بومباي بالهند ويسكنها من 6ـ9 أشخاص ، وفى مجتمعات أخرى نجد إن كل عشرين شخص يقطنون غرفة لا تزيد مساحتها عن 325 قدما مربعا . فيقضى هذا إلى النوم بالتناوب، وفى كنجستون وجاميكا يعيش كل تسعة أشخاص فى أكواخ غيرة لا تزيد مساحة الواحد منها عن 60 قدما . كل هذه البيانات وغيرها تشير إلى إن كثير من السكان يعيشون فى مساكن ليس فيها هواء أو نوافذ وينام الأطفال فيها على الأرض . وان كان هذا هو الوضع فى العديد من مدن دول العالم الثالث فان الوضع السكانى للعديد من القرى أسوأ حالا فاكثر من 5و27% من المنازل فى أربعة عشر قرية فى صعيد مصر عبارة عن أكواخ مظلمة من الطين متلاصقة وكذلك فإن هذه المساكن تعانى من الصرف وانعدام المصادر الصحية ومصادر التسرب .
(4)  احتلال أراضى الغير : مشكلة احتلال الأراضي من الظواهر الشائعة فى دول العالم الثالث فهى موجودة فى أي وضع تتم فيه هجرة جماعية إلى المدن وحينما يتعذر العثور على مأوى . ففى تركيا كما تشير البيانات يوجد حوالى 240الف وحدة سكنية من هذا النوع وان هناك حوالى 45% من سكان أنقرة من المحتلين لأراضى الغير . وفى منلاوزر بالفلبين 20% وفى فنزويلا 65% وفى كولومبيا 30% وفى سينتياجو 25% من مجموع السكان . وغالبا ما تأخذ أحياء المحتلين شكل الأكواخ الصغيرة المبنية من الطين أو الصفيح وليس بها صرف صحى أو مياه نقية أو طرق ممهدة وغالبا ما يقطن هذه الأكواخ المتشردين والفقراء والعاطلين عن العمل وعمال البناء والخطرين على الأمن والعاهرات وغيرهم من الفئات الهامشية فى حياة المدينة فهذه الأماكن مصدر خطر بالنسبة للأمن والصحة . وعلى الرغم من الحكومات تحاول الحفاظ على النظافة فى هذه الأماكن وجعلها بعيدة عن الأمراض إلا إن هذه الأماكن تشكل تهديدا لصحة سكان المدينة بأسرها . والأسباب التى تؤدى إلى احتلال ارض الغير كثيرة : منها الجوع الحرمان الاقتصادى ومنها الهجرة الريفية الحضرية والحروب والاضطرابات وعامة ما يكون الاحتلال نتيجة لعدم توافر المساكن فى المدينة للأيدي العاملة المهاجرة من الريف حيث تنعدم وسائل السكن لهؤلاء المهاجرين الجدد.
(5)  الآثار الاجتماعية والبيئية للمشكلة : كل هذا يشير إلى حقيقة واضحة بان الكثير من سكان العالم الثالث لا يجدون المأوى المناسب أو يعيشون فى مساكن وصفتها الأمم المتحدة بأنها تشكل خطرا على الصحة وتعتبر طعنا لكرامة الإنسان . ومما هو جدير بالملاحظة إن الأمر يزداد سوء فى المجتمعات الريفية مما يؤدى فى النهاية إلى الاكتظاظ السكانى وظهور الأحياء الفقيرة التى يقطن فيها هؤلاء النازحين المعدمين .        
ان هذه الاماكن المزدحمة والفقيرة تعانى العديد من المشكلات الاجتماعية والصحية والتى اهمها ارتفاع نسبة الجريمة وانتشار الامية والبطالة والسلبية والادمان والامراض الصحية والعقلية . وان الكثير وان الكثير من المدن عبارة عن مجموعات من المنازل والمتاجر والمصانع والشوارع والمنافع العامة التى يساء صيانتها بالإضافة إلى الاكتظاظ السكانى وانعدام الارتباط الشخصى . وهذا يؤدى إلى حدوث آثار اقتصادية واجتماعية أثرت فى كثير من النظم الاجتماعية القائمة خاصة مشكلات الصحة والبيئة والمرور [45]
                                       **********************************
      (4) الأمية والأنفاق على التعليم والفقر[46]
إن التعليم عنصر هام فى التأثير على الفقر باعتبار ما له من ارتباط قوى بالمهنة ومستويات الدخل وهو أيضا مؤشر لمدى قدرة الأسر على إشباع حاجاتها الأساسية . وتبين مؤشرات الفقر ، من حيث علاقاتها بالحالة التعليمية لأرباب الأسر فى كل المناطق الحضرية والريفية . إن هناك علاقة عكسية بين مقاييس الفقر ومستويات التعليم .(2)
ولقد ثبت فى دراسات التنمية الاقتصادية إن هناك علاقة عكسية مؤكدة بين زيادة أعداد المتعلمين والفقر والعكس صحيح فكلما زادت نسبة الأمية كلم انخفضت معدلات التنمية وازدادت درجة التخلف وفى عام 1990 وصلت نسبـة الأمية بين الأشخاص البالغين فى الدول ذات الدخل المنخفض 40% للذكور والإناث معا والى 52% للإناث فقط وبلغت نسبة الأمية بين البالغين فى مصر إجمالا 52% وبالنسبة إلى الإناث بصفة خاصة 66% وعلى هذا فموقف مصر فى هذا الصدد يعتبر أسوأ من المتوسط العام الشائع فى البلدان ذات الدخل المنخفض كما يتضح فى الجدول التالى:                     
مؤشرات اجتماعية لبعض الدول النامية ( التعليم ) ( 82 ـ 1993 )


الدولـــــــــــة
نسبة الأمية ( % من الأطفال فى سن الالتحاق بالمدارس و15 سنة فاكثر)
الالتحاق بالمدارس الابتدائية ( % من الأطفال فى سن الالتحاق )
الالتحاق بالمدارس الثانوية ( % من الشباب فى سن الالتحاق )
82 ـ 87
88 ـ 93
82 ـ 87
88 ـ 93
82 ـ 87
88 ـ 93
الجزائر
4.51
6.42
94
99
54
60
البحرين
27.16
22.6
111
93
84
97
جيبوتى
ـ
ـ
46
41
15
14
مصر
55.4
51.6
96
101
69
80
العراق
47.6
40.3
109
89
49
48
الأردن
22.8
19.9
108
105
79
91
الكويت
29.42
27
98
61
88
85
لبنان
23.2
19.9
128
111
67
63
ليبيا
43.5
36.2
ـ
ـ
ـ
ـ
موريتانيا
72.5
66
55
55
16
16
المغرب
58.3
50.5
69
69
37
34
الصومال
82.1
75.9
104
104
10
ـ
سوريا
45.9
35.5
107
107
59
52
اليمن
61.5
61.5
76
76
21
31
متوسط الدول النامية
41.5
38.4
87.8
92.4
37.1
37.6
متوسط الدول الصناعية
ـ
ـ
103.8
102.6
91.3
93
المصدر صندوق النقد الدولى ، الآثار الاجتماعية للإصلاح الاقتصادى فى الدول النامية, ابوظبى ، يناير 1996م ، ص48

ومع ذلك فهناك دول أخرى أسوأ حالا من مصر مثل باكستان حيث وصلت نسبة الأمية عام 1990 بين البالغين إجمالا 65% وبين الإناث خاصة وفى الصومال تصل النسبة المقارنة إلى 76% و86% على الترتيب ويلاحظ إن الصين بالرغم من وقوعها فى فئة الدول ذات الدخل المنخفض إلا إن نسبة الأمية فيها لا تزيد عن 27% بين البالغين عموما وعن 38% بين الإناث البالغات بصفة خاصة فى عام 1990 .
وفى الدول النامية ذات الدخل المتوسط المنخفض نجد إن نسبة الأمية اقل بشكل واضح عن الدول ذات الدخل المنخفض ففى 1990 تراوحت نسبة الأمية فى هذه الدول بين 22% ـ 25% للبالغين عموما ( ذكور و إناث ) وبين 27% ـ 32% للإناث على حدة .  إما الدول ذات الدخل التوسط المرتفع فلم تزد نسبة الأمية عموما عن 16% بين البالغين إجمالا وعن 16% للإناث على حدة فى 1990 .  أما فى الدول ذات الدخل المرتفع فان نسبة الأمية تراوحت عام 1990 بين 1% ـ 5% فى معظم الحالات .
 وبالرغم من هذه المقارنات جميعا تدل على إن الإمكانيات الاقتصادية ممثلة فى ارتفاع مستوى الدخل لها اثر مباشر على محو الأمية إلا إن هذه ليست بقاعدة عامة ذلك لان محو الأمية لا يعتمد فقط على زيادة الإمكانيات المادية التعليمية وانما أيضا على استنباط النظام التعليمى الملائم فى إطار الظروف الاقتصادية والاجتماعية والقيم السائدة كما يعتمد محو الأمية أيضا على رغبة الأفراد فى التعلم أو فى تعليم أبنائهم وهى رغبة تتحدد بعديد من العوامل الاجتماعية والحضارية . ولكن وجود عوامل عديدة تؤثر على نسبة الأمية داخل أي مجتمع لا ينفى إن للإمكانيات المادية دور هام بين هذه العوامل ومعظم الاقتصاديين المعاصرين يتخذون من مقدار الإنفاق على التعليم ومتوسط نصيب الفرد كأحد المؤشرات التى تدل على التحرك نحو دفع عجلة التنمية .[47]
وبصفة عامة فلقد حققت الدول النامية تقدما ملحوظا فى مجال التعليم منذ بداية الستينيات حيث ارتفاع عدد المدارس الابتدائية فى الدول ذات الدخل المنخفض بنحو 60% خلال الفترة 1965 ـ 1985وزاد عدد الأطفال فى سن الدراسة الملتحقين بالمدارس بنسبة 69% فى الدول ذات الدخل المنخفض وبنسبة 48% فى الدول النامية ذات الدخل المتوســط  خلال نفس الفترة وبحلول عام 1990 وصلت نسبة الاطفال الملتحقين بالمدارس الى 76% من 538 مليون طفل فى المرحلة العمرية بين 6 الى 11 سنة فى الدول النامية .
وعلى الرغم من هذا التقدم الا ان هناك بعض الدول النامية خاصة فى افريقيا جنوب الصحراء تتسم بتدنى معدلات الالتحاق بالمدارس ففى اثيوبيا والصومال وغينيا ومالى والنيجر كانت نسبة الاطفال الملتحقين بالمدارس تتراوح بين 20% ـ 40% عام 1987 كما ان هناك فجوة واسعة بين نسبة تعليم الذكور والاناث فهناك اكثر من 70% من النساء اللاتى يبلغن من العمر 25 عاما او اكثر فى افريقيا جنوب الصحراء  وجنوب آسيا يعانون من الأمية كما ان نسبة البنات فى المرحلة العمرية 11:6 سنة اللاتى لم يلتحقن بالدمدارس فى افريقيا جنوب الصحراء تصل الى نحو 25% وما يزيد على 15% فى جنوب آسيا هذا فضلا عن اتساع الفجوة بين سكان الريف والحضر على مستوى الدول النامية بصفة عامة .
وتتجاوز مشكلات التعليم حد معدلات القبول بالمدارس فكثيرا ما يكون المعدل المنخفض للقبول مصحوبا بمعدل مرتفع للتسرب حيث يلاحظ إن ما يزيد عن 40% من إجمالي الأطفال الذين يلتحقون بالمدارس الإبتدائية فى الدول ذات الدخل المنخفض لا يستكملون الدراسة ولا تزيد معدلات استكمال الدراسة فى الدول ذات الدخل المتوسط عـــن 85% ونتيجة لدلك ترتفع معدلات الأمية فى الدول النامية وخاصة بين المجتمعات الفقيرة .
ومن جهة أخرى تشكل مشكلة انخفاض مستوى التعليم فى الدول النامية جزءا كبيرا من ضعف أداء الأطفال إذ اهتمت بعض الحكومات بالكم اكثر من اهتمامها بالكيف كما يخصص العديد من تلك الدول مبالغ منخفضة للكتب والأدوات المدرسية .
والتعليم لا غنى عنه لزيادة إنتاجية الفرد حيث يرفع من كفاءة الأداء المهنى والوظيفى ويزيد من القدرة على معالجة واستخدام المعلومات وعلى التكيف مع التطور التقنى وممارسات الإنتاج الحديثة .
ويمثل التعليم الأداء الرئيسية لدفع معدلات النمو الاقتصادى والحد من الفقر فى الدول النامية وبناءا على ذلك فقد أوضح البنك الدولى إن أساس الاستراتيجية التى ينتهجها للحد من الفقر فى الدول النامية هو الارتقاء بمستوى التعليم فى تلك الدول وزيادة عدد الملتحقين بالمدارس ـ وخاصة فى مرحلة التعليم الأساسي ـ لان ذلك من شانه إن يؤدى إلى زيادة الإنتاجية ورفع مستوى الفن الإنتاجي . [48]  

***********************************
ثانيا: التنمية المتواصلة كمدخل جديد إلى البيئة والتنمية
         **  مقدمـــة [49]
**  كان للجدل حول قضية التنمية والبيئة أكبر الأثر فلا ظهور مفهوم جديد هو التنمية المتواصلة ، ويدور هذا المفهوم حول إمكان تحقيق النمو الاقتصادى والإجتماعى مع تحسين البيئة والمحافظة عليها للوفاء بإحتياجات الإنسان المعاصر وفى العصور القادمة .
وقد تبنى هذا المفهوم الجديد لعملية التنمية العديد من العلماء فى الدول المتقدمة والنامية مؤكدين على أن التنمية المتواصلة لابد من أن يكون هدفها السعى إلى تطوير النظم البيئية والإنتقال من نظام بيئى معين إلى نظام بيئى جديد يحقق التناسق بين مقتضيات تقدم الإنسان والتوازن البيئى .
وكان ظهور مفهوم التنمية المتواصلة نتيجة تفاعل عدة أحداث بدأت بظهور المجتمع الصناعى عقب الثورة الصناعية ، حيث كان هذا المجتمع يبحث عن وسائل توزيع الاستهلاك الكبير وتنمية اقتصاديات دول غرب أوربا ، ثم جاءت موجات التدهور و البطالة أثناء فترة الكساد العالمى عام 1929م ، ومن ثم بدأ الفكر الاقتصادى يبحث عن وسائل لاجتياز هذه الأزمة ، ثم كانت الحرب العالمية الثانية ، وبالتالى تفاعلت كل هذه العوامل مما أدى إلى ظهور هذا المفهوم الجديد للتنمية .  ولقد تدعم هذا الاتجاه فى التنمية التدهور الواضح فى البيئة من تلوث واستنزاف للموارد البيئة واصبح هناك ندرة فى العديد من الموارد هذا بالإضافة إلى التطورات التى حدثت فى معظم الدول النامية والتى أثبتت انه بالرغم من المجهودات التى بذلت خلال عقود التنمية الماضية لخفض حدة الفقر ، إلا أن مستوى الفقر بهذه الدول يتزايد نتيجة لسوء توزيع الدخل السائد فى هذه الدول . وبالتالى فإن هدف التنمية الرئيسى لتحقيق الرفاهية لم يتحقق ومن هنا برزت أهمية مفهوم التنمية المتواصلة والذى يعمل على تحقيق التنمية من خلال الأخذ فى الاعتبار ما يلى :ـ      
(1) إذا كنا نريد استغلال إمكانيات البيئة وتجنب عوامل تدهورها فإن التنمية يجب أن تتم فى ضوء إمكانيات البيئة ومظاهر قصورها فى آن واحد أي يجب أن توجه التنمية جهودها إلى التحكم المناسب فى الموارد الطبيعية والبشرية والبنية الأساسية   
(2) إذا ما أردنا أن نحقق تقدما منظما ، فإن استغلال التقنية يجب أن يستوعب داخل الثقافة
** إن التنمية المتواصلة هى التنمية التى تحقق التوازن بين تفاعلات المنظومات البيئية وتحافظ على صحة النظم البيئة وحسن أدائها ، كما أنها هى التى تحقق ضروريات الحاضر دون الإخلال بضروريات المستقبل .
وعلى ذلك يمكن تعريف التنمية المتواصلة بأنها تعنى أن مجموعة من الأفراد يحاولون استخدام مصادر الثروة الطبيعية عن طريق استخدام وسائل التقنية للارتقاء بمستوى الحياة بصفة دائمة .
وهذا يعنى أن هناك ثلاث كعناصر رئيسية فى هذه التنمية هى :ـ
(1)  ثروة بشرية.            (2) ثروة مالية تستخدم التقنية الحديثة .               (3) ثروة طبيعية .
وينتج عن التفاعل بين هذه العاصر التنمية التى تعود على الإنسان بالرفاهية والارتقاء بمستوى الحياة وإذا حدث خلل أو نقص فى أحد هذه المكونات الثلاث فلم يعد هناك تنمية
***************************
          (1) أبعاد التنمية المتواصلة [50]
** هناك أربعة أبعاد متفاعلة ومتداخلة للتنمية المتواصلة وهى :ـ
(1) الأبعاد الاقتصادية :ـ
أن سكان الدول الصناعية يستنزفون من الموارد الطبيعية أضعاف ما يستخدمه سكان الدول النامية ، وبالتالى فالتنمية المتواصلة بالنسبة للدول الصناعية تعنى أجراء تخفيضات مطردة فى مستويات الاستهلاك وأنماطه المبددة للطاقة والموارد الطبيعية ، وقد يكون ذلك بأجراء تحسينات على كفاءة الاستخدام ، أو حتى من خلال تغيير أنماط المعيشة ، ولابد من التأكد من عدم تصدير الضغوط البيئية إلى الدول النامية .  
 وبالنسبة للدول النامية فإن التنمية المتواصلة تعنى تكريس الموارد لأغراض التحسين المستمر فى مستويات المعيشة ، إذ أن التخفيف من معدلات الفقر ومظاهره نتائج عملية هامة بالنسبة للتنمية المتواصلة ، لان هناك روابط وثيقة بين الفقر وتدهور البيئة والنمو السريع للسكان . 
وثمة وسيلة حاسمة للتخفيف من عبء الفقر وتحسين مستويات المعيشة تنطبق على كافة الدول سواء الغنية أو الفقير إلا وهى جعل فرص الحصول على الموارد فيما بين جميع الأفراد داخل المجتمع اقرب إلى المساواة ، حيث أن ذلك من شانه أن يساعد على تنشيط التنمية والنمو الاقتصادى الضروريين لتحسين مستويات المعيشة .
إذن التنمية المتواصلة تتطلب الحد من التفاوت التنامى فى الدخل وفى فرص الحصول على الرعاية الصحية ، وتحسين فرص التعليم ، وإتاحة فرص أوسع لحيازة الأراضي للفقراء ، كما تتطلب التنمية المتواصلة فى جميع دول العالم تحويل الأموال الطائلة التى يتم إنفاقها على الأغراض العسكرية إلى الإنفاق على احتياجات التنمية .
(2)الأبعاد البشريـــــة :
تتطلب التنمية المتواصلة تحقيق تقدما كبيرا فى سبيل الحد من النمو المطرد للسكان ، إذ أن النمو السريع للسكان يفرض ضغوطا حادة على الموارد الطبيعية وعلى قدرة الحكومات على توفير الخدمات ، وبما يحد من خطى التنمية . كما أن لتوزيع السكان أهمية ، حيث أن الاتجاهات الحالية إلى التوسع فى التحضر لها عواقب وخيمة
(3)الأبعاد البيئيـــــــة :ـ
أن التنمية المتواصلة تتطلب كذلك حماية الموارد الطبيعية اللازمة لإنتاج المواد الغذائية مع التوسع فى الإنتاج لتلبية احتياجات السكان المتزايدة ، حيث أن الفشل فى حماية الموارد الطبيعية التى تعتمد عليها الزراعة كفيل بوقوع مشكلة فى الغذاء يعانى منها سكان العالم كله وخاصة الأجيال القادمة . وبالتالى فان تعرية التربة وفقدان إنتاجيتها يقللان من غلتها ، كما أن الإفراط فى استخدام الأسمدة ومبيدات الآفات يلوث المياه السطحية والجوفية ، فضلا عن الضغوط البشرية والحيوانية التى تضر بالغطاء الخضري والغابات .
(4)الأبعاد التكنولوجية :
وبالتالى فلابد من استخدام الأراضي القابلة للزراعة ومياه الرى استخداما اكثر كفاءة ، وأيضا استحداث وتبنى ممارسات وتكنولوجيات زراعية محسنة ، والمحافظة علي المياه بوضع حدود الاستخدامات المبددة وتحسين كفاءة شبكات المياه ، وقصر المسحوبات من المياه السطحية على معدل لا يحدث اضطرابا فى النظم الايكولوجية .ـ
أدت المرافق الصناعية فى كثير من الأحيان إلى تلويث ما يحيط بها من هواء ومياه وارض . وفى الدول المتقدمة ، يتم الحد من تدفق النفايات بنفقة كبيرة . أما فى الدول النامية فان النفايات غالبا لا تخضع للرقابة ، وتفتقر إلى وجود تكنولوجيا تتسم بالكفاءة لمعالجة هذه النفايات ، مع الإهمال فى تطبيق العقوبات الاقتصادية . وتتطلب التنمية المتواصلة ضرورة التحول إلى تكنولوجيات انظف واكفأ تقلل من استهلاك الطاقة وغيرها من الموارد الطبيعية إلى أدنى حد ممكن .   ومن شأن التعاون التكنولوجي الذى يهدف إلى سد الفجوة بين الدول الصناعية والنامية أن تزيد من الإنتاجية وان يحول المزيد من التدهور فى نوعية البيئة .
****************************************
       (3) ركائز التنمية المتواصلة وسبل تحقيقها  [51]
** تنحصر أهم ركائز التنمية المتواصلة فيما يلى :ـ
(1)    وحدة المصير والمستقبل المشترك :ـ
يمكن القول أن بيئة الأرض كيان واحد ، فأي تلوث فى الماء أو الهواء يرتد إلينا مره أخرى ،وربما ينتقل من مكان لآخر لو قد ينتقل من زمان لآخر مثل الأمطار الحمضية أو النفايات النووية ، فلا شئ يأتي من عدم ، ولا شئ يصير إلى عدم لذلك فالتلوث والأخطار البيئية لا يعترفان بالحدود الدولية ، ومن هنا يجب أن ننعم بالحياة فى سلام على الأرض فالأرض ملك لجميع البشر ، وهذا المفهوم يمثل الدعامة الأساسية لمفهوم التنمية المتواصلة .
(2)     الاستدامة أو الاستمرار :ـ
 أي أن التنمية يجب أن تلي احتياجات الحاضر دون أن يخل ذلك باحتياجات المستقبل للأجيال القادمة وهذه الركيزة تتضمن مفهومين أساسين هما :ـ
أ ) إشباع الحاجات الأساسية لفقراء العالم حيث أن موارد الأرض كافية لمواجهة حاجات كل فرد وليس أطماع كل فرد وذلك إذا ما أديرت بكفاءة وبطريقة موصولة وعادلة .
ب) الحفاظ على البيئة وعدم استنزافها ،بمعنى الحصول على أعلى عائد بأقل استهلاك ممكن من خلال التعامل مع الموارد بحكمة وإدارة واعية فى حدود قدرة البيئة على التجديد ، مما يترتب عليه ضمان استمرار رخاء الشعوب الغنية والفقيرة .
(3)    الديمقراطية :ـ 
يجب أن تعتمد التنمية المتواصلة على ديمقراطية حقيقية تمليها مصلحة الأغلبية ومصلحة البشرية ، وهذا يستلزم وجود نظام من المعايير الاجتماعية ، مع توافر السلطة اللازمة لنجاحه لمنع الأقلية من الأضرار بمصلحة الأغلبية ومصلحة البيئة .
(4)    المشاركة الشعبية :ـ
 تعتبر المشاركة الشعبية مهمة جدا لتحقيق استمرارية التنمية وحماية البيئة من التلوث ، فإن لم تكن هناك مشاركة شعبية لمواجهة مشاكل البيئة ،من الشعب بكافة أفراده وفئاته فان تفلح أي جهود لمواجهة هذه المشاكل ، ومن الضروري تحكم المواطنين فى أوجهه نشاطهم والاشتراك فى التخطيط وتحديد الأولويات للمشروعات والاشتراك فى صنع القرار سواء على مستوى العالم ، والمشاركة هى الوسيلة وهى الغاية . ولضمان تحقيق المشاركة الشعبية فلابد من وجود شفافية فى التعامل مع القضايا المجتمعية والعمل على تحقيق العدالة الاجتماعية .
(5)     العدالة الاجتماعية :ـ 
أن الاستمرار والتواصل يمتد للموارد من خلال المحافظة عليها لتستمر فى العطاء والتواصل الدائم ، ولن يتحقق ذلك إلا من خلال العدالة والمساواة بين الأجيال وصيانة الموارد الطبيعية والمحافظة عليها ، مع الأخذ فى الاعتبار ما يلى :ـ
أ ) تتوقف إمكانية تحقيق التنمية المتواصلة على الاقتسام العادل لتكاليف ومكاسب حماية البيئة داخل البلدان وفيما بينها . وهذا يعنى أن يكون هناك عدالة بين الأجيال فلا يزيد رصيد جيل على حساب جيل قادة ، فيجب الحفاظ على الموارد الطبيعية حتى يستمر العطاء والتواصل .
ب) تركيز الموارد فى يد أقلية وحرمان الأغلبية يؤدى إلى تدمير واستنزاف البيئة فالغنى يستهلك أضعاف الفقير ويستنزف ويلوث اكثر فيحد الفقير نفسه مضطر لاستنزاف وتلوث البيئة لتغطية احتياجاته ، فالرفاهية المغالية فى المجتمعات الغنية قمة عالية تندفع من فوقها البيئة لتسقط وسط حطام مواردها الناضبة والفقر المدقع هاوية تدفن فيها البيئة ، إلى جوار مواردها المستنزفة .
(6)     القيم :ـ
 يبدأ فقر البيئة حيث يبدأ فقر البشر ، ويبدأ فقر البشر من حيث يبدأ فقر عقولهم ، ويبدأ فساد البيئة من حيث تبدأ أطماع البشر ، تبدأ أطماع البشر من حيث ينتهى فساد نفوسهم ويأتي فقر العقول و فساد النفوس من القيم السائدة، ومن هنا تبرز أهمية نشر مجموعة من القيم المرغوبة لضمان نجاح التنمية المتواصلة مثل قيم العدالة بين الأجيال  وعدم استغلال الآخرين ، والقيم التى تشجع على ترشيد الاستهلاك ليتناسب مع قدرة النظم البيئية ، والقيم الجمالية والإنسانية وقيم المشاركة والتعاون والقيم الدينية ، ويستلزم ذلك أيضا إقامة المؤسسات الاجتماعية التى تهتم ببث القيم بين الأفراد عن طريق نشر الوعى والثقافة والتعليم والأديان ، مع التركيز بصفة خاصة على المحيط الإجتماعى الذى تقع علية مسئولية قيادة التنمية المتواصلة .
(7)    تنظيم أو ترشيد السكان :ـ
v  أن تنظيم أو ترشيد السكان ليس بالضرورة معناه تخفيض مستويات المعيشة، أو الأضرار بنوعية الحياة أو إحداث تدهور بيئى ، كما أن المشكلة ليست مجرد مشكلة أعداد ولكنها تتمثل فى التفاوت الشاسع بين الأغنياء والفقراء فى معدل الاستهلاك والنمو فى أنماط الحياة .
v  مع تزايد السكان يتزايد الطلب على الغذاء والماء والعلاج والمرافق الصحية والسكن والطاقة والنقل والتعليم ووسائل الترفيه وغيرها ويؤدى الضغط السكانى على المدى الطويل إلى انخفاض بالغ فى إنتاجية نظم الموارد المتجددة وفى مثل هذه الحالات يؤدى النمو السكانى إلى زيادة الطلب وانخفاض العرض مما يؤدى إلى انخفاض قدرة 
*********************************
  (3) الأسباب المؤدية إلى عدم استدامة التنمية[52]
** ويمكن تلخيص هذه الأسباب بما يلى :ـ
(1)  الفقر وما يترتب عليه من مشكلات كسبب لعدم استدامة التنمية : حيث أن الفقر يدمر البيئة فالفقراء يدمرون البيئة أثناء سعيهم لإيجاد الموارد اللازمة لتلبية حاجتهم حيث يقطعون الغابات والأشجار ويستنزفون المراعى والأراضى الضعيفة ويتزاحمون فى المدن فى مناطق عشوائية .
(2)    يترتب على تحقيق النمو الاقتصادى فى معظم دول العالم بعض الظواهر التى لها آثار سلبية على البيئة منها :ـ
                أ ) الاستخدام الكثيف للمواد الأولية والطاقة والتى سببت بدورها كمية كبيرة من التلوث .
ب) تضاعف استخدام الوقود وتزايد الإنتاج الصناعى
حـ) التدخل فى أشكال الإنتاج التقليدية .
د ) زيادة السكان وارتفاع الدخل فى البلدان النامية وأدى ذلك إلى زيادة نسبة استهلاك الطاقة والموارد الطبيعية .
(3)    المخاطر التى تهدد البقاء والتى قد تتسبب فى عدم استدامة التنمية :ـ
أ ) ارتفاع حرارة سطح الأرض واضمحلال طبقة الأوزون
ب) ملوثات الهواء والنفايات السامة وتدهور نوعية المياه واستنزافها
جـ) التصحر وتدمير الغابات وتدهور التربة وتهديد التنوع الجينى لأنظمة البيئة
د ) سوء استهلاك الطاقة
(4)    الزيادة السكانية قد تتسبب فى عدم استدامة التنمية
(5)    المخاطر الناتجة عن استخدام التكنولوجيا قد تتسبب فى عدم استدامة التنمية



[1] - مصر تقرير التنمية البشرية عام 1996م
[2] - عبد الرزاق الفارس ( الفقر وتوزيع الدخل فى الوطن العربى ) بيروت ، مركز دراسات الحدة العربية ،2001م ، ص15:9
[3] - د. إسماعيل صبرى عبد المنعم ( المقال ـ منتدى العام لمشروع مصر 2020)

[4] -  مصر تقرير التنمية البشرية عام 1996م
[5]- ماهر أبو المعاطى ( دراسة بمجلة القاهرة للخدمة الاجتماعية ) الجزء الثانى ، العدد السادس ، 1995م ، ص 663 
[6]- ماهر أبو المعاطى ( نفس المرجع ) ص663
[7]- إبراهيم سليمان عيسى ( تلوث البيئة أهم قضايا العصر ) دار الكتاب الحديث ، ط1 ، 1999م ، القاهرة ، ص 17، 18  
[8]- محمد عادل صادق ( الخصائص الاجتماعية المتصلة بمشكلة القمامة فى مصر ) رسالة ماجستير ، معهد الدراسات والبحوث البيئية ، 1994م، ص29
[9]- مصطفى احمد حسان ، مها محمد مرسى عبد الرازق ( الخدمة الاجتماعية فى المجال البيئى ) بل برنت  للطباعة ، القاهرة،2000م
[10]- رشاد احمد عبد اللطيف ( الخدمة الاجتماعية البيئية ) دار النهضة ، القاهرة ، 1997م ،ص22

[11]-  مصر تقرير التنمية البشرية عام 1996م
[12]- عمرو عبد الرحمن عبد الغنى البقلى ( العلاقة بين الفقر والتلوث البيئي و أثرها على التنمية الاقتصادية فى الدول النامية) معهد الدراسات والبحوث البيئية ، جامعة عين شمس  ، رسالة ماجستير غير منشورة ، 1997م ص7:6
[13]-) كمال التابعى ( الفقر فى ظل تحولات العولمة : رؤية مستقبلية ) موضوع مقدم لأعمال الندوة السنوية السادسة لقسم علم الاجتماع كلية الآداب جامعة القاهرة ، 1999م ، ص203:149 
[14]- محمد شريف حسنى محمد وهدان (  العلاقة بين الفقر و البيئة والتنمية فى مصر " علاقة التأثير والتأثر") معهد الدراسات والبحوث البيئية ، جامعة عين شمس  ، رسالة دكتوراه غير منشورة ، 1998م ص7:6
[15] - محمد شريف حسنى وهدان ( العلاقة بين الفقر والبيئة والتنمية فى مصر ..........) مرجع سابق ص6:5
[16] -  كامل بكرى  ( التنمية الاقتصادية ) الدار الجامعية ، الإسكندرية ، 1998م ، ص20:18

[17] - كامل بكرى  ( التنمية الاقتصادية) مرجع سابق ص21:20

[18]- مصر ـ تقرير التنمية البشرية عام 1996م ، ص 20:15
[19]- محمد شريف حسنى وهدان ( العلاقة بين الفقر والبيئة والتنمية فى مصر ..........) مرجع سابق ص12:10
[20]- كمال التابعى ( الفقر فى ظل تحولات العولمة : رؤية مستقبلية ) ص203:149 
   [21]- كمال التابعى ( تغريب العالم الثالث ـ دراسة نقدية فى علم اجتماع التنمية )الطبعة الثالثة ، دار النصر ، القاهرة ،2003 ،ص18:16

[22]- عمرو عبد الرحمن عبد الغنى  ( العلاقة بين الفقر والتلوث البيئى وآثرها على التنمية الاقتصادية ...) مرجع سابق ص116:115
[23]- عادل متولى سالم ( البعد البيئى للبرنامج القومى للتنمية الريفية المتكاملة ) رسالة ماجستير غير منشوره ، معهد الدراسات والبحوث البيئية ، جامعة عين شمس ، 2001م ، ص30:29
[24]- إقبال الأمير السمالوطى ( التنمية الاجتماعية ـ أساسيات واتجاهات حديثة ) المعهد العالى للخدمة الاجتماعية بالقاهرة ، 1998م، ص200
[25] - مصر تقرير التنمية البشرية 1994م ص 5

[26] - محمد شريف حسنى وهدان ( العلاقة بين الفقر والبيئة والتنمية فى مصر ..........) مرجع سابق ص6:5                                     
[27] - المرجع السابق  ، ص6
[28]--  سوزان أبو ريه ( المشكلات لاجتماعية ) ص 43
[29]- كمال التابعي ( التنمية البشرية ،دراسة حالة لمصر ) مكتبة ألا نجلو المصرية ، القاهرة ، 2003م   ص 48:44
 
[30]-  سوزان أبو ريه ( المشكلات لاجتماعية ) ص 43
[31]- احمد مجدى حجازى ( فقراء مصر – دراسة ميدانية لحياة بعض فقراء الريف والحضر ) موضوع مقدم لأعمال الندوة السنوية السادسة لقسم علم الاجتماع ـ كلية الآداب ـ جامعة القاهرة ، 1999م ،ص 116:113

[32]- عمرو عبد الرحمن عبد الغنى  ( العلاقة بين الفقر والتلوث البيئى وآثرها على التنمية الاقتصادية ...) مرجع سابق ص116:115
[33]- إحسان محمد الحسن ( المخل إلى علم الاجتماع الحديث ) 1976م ،ص 332:325
[34]- صلاح رسلان ( الفقر جذورة وسبل علاجة ، رؤية إسلامية  ) موضوع مقدم لأعمال الندوة السنوية السادسة لقسم علم الاجتماع ـ كلية الآداب ـ جامعة القاهرة ، 1999م ،ص 426:413

[35] -  تقرير البنك الدولى للتنمية البشرية عام 1992م ص 40: 42
[36]- محمد شريف حسنى وهدان ( العلاقة بين الفقر والبيئة والتنمية فى مصر ..........) مرجع سابق ص201:196
[37]- المرجع السابق ص 201
[38]- محمد شريف حسنى وهدان ( العلاقة بين الفقر والبيئة والتنمية فى مصر ..........) مرجع سابق ص202
[39]- عمرو عبد الرحمن عبد الغنى  ( العلاقة بين الفقر والتلوث البيئى وآثرها على التنمية الاقتصادية ...) مرجع سابق135:134
[40]- تقرير البنك الدولى للتنمية البشرية عام 1991م ص16
[41]- سامى السيد ( مبادئ الاقتصاد الكلى )  دار الثقافة العربية ، 1998م ، ص103:102

[42]- تقرير البنك الدولى للتنمية البشرية عام 1991 ص81:79

[43]- عمرو عبد الرحمن عبد الغنى  ( العلاقة بين الفقر والتلوث البيئى وآثرها على التنمية الاقتصادية ...) مرجع سابق ص144:139
[44]- فاروق العادلى و سعد جمعة ( مدخل إلى علم الاجتماع الحضرى ) بل برنت للطباعة والنشر ، 1998م ص 418:413 ،وللوقوف على تفصيلات مفيدة عن النمو العشوائى كأحد مظاهر التضخم الحضرى راجع : هناء محمد الجوهرى " النمو العشوائى كأحد مظاهر التضخم الحضرى فى مدينة القاهرة " دراسة حالة لحى منشاة ناصر ، فى المجتمع المصرى فى ظل متغيرات النظام العالمى ، قسم الاجتماع ، كلية الآداب ، جامعة القاهرة ،1995م

[45]- محمد احمد بيومى ( المشكلات الاجتماعية ـ  دراسات نظرية وتطبيقية ) دار المعرفة الجامعية ، الإسكندرية ، 1993 ، ص 255:248
[46]- مصر تقرير التنمية البشرية 1994م ص 34

[47]- عمرو عبد الرحمن عبد الغنى  ، مرجع سابق ص165:163

[48]- عمرو عبد الرحمن عبد الغنى  ،  مرجع سابق ، ص25:20

[49] ـ  محمد شريف حسنى وهدان ( العلاقة بين الفقر والبيئة والتنمية فى مصر ..........) مرجع سابق ص54
[50] ـ عمرو عبد الرحمن عبد الغنى البقلى ( العلاقة بين الفقر والتلوث البيئي و أثرها على التنمية الاقتصادية ......) مرجع سابق ص 118

[51]  ـ عادل متولى سالم ( البعد البيئى للبرنامج القومى للتنمية الريفية المتكاملة ) مرجع سابق 32:30

[52] - مصطفى احمد حسان ، مها محمد مرسى عبد الرازق ( الخدمة الاجتماعية فى المجال البيئى ) مرجع سابق ص 142:141